الملحق الثقافي-سعاد زاهر:
وصلت اللاذقية نحو الثامنة مساءً، كأن الزمن توقف والتصوير على البطيء، مشاهد متكررة على خلفية مرض استوطن جسد والدتها وهي تقترب من الثمانين.
يالرعب الثمانينات كيف يبدو الجسد متعباً، منهكاً لارجاء فيه مهما ضخت الأدوية عبر الأنابيب التي تصل تلك الالآت بأوردة ضيقة قلما ينجو المريض من ازرقاقها.
حين وصلت المشفى الضخم الذي يتوسط اللاذقية بدا واضحاً الإمكانات والأهداف التعليمية التي تأسس لأجلها.
بدا صعود المصعد إلى الطابق السادس طويلاً أما خطواتها وهي ذاهبة باتجاه غرفة العناية المشددة بالقلبية،باحثة عن والدتها التي تركتها قبل أيام قليلة بصحة جيدة.
حين عادت بذاكرتها استغربت كيف تجرأت بكل هذا البرود على تركها ذاهبة باتجاه دمشق منذ الصباح الباكر لحضور أحد الاجتماعات.
أول ما شاهدته في تلك الغرفة التي تشغلها مريضتي قلب، أصوات الأجهزة المتواترة الموصولة بالقلب، استفزها أنين صوتها جداً، وانصرفت عن التركيز بها، لتتابع حالة والدتها كأن دهراً مضى عليها لا تشبه تلك التي تركتها قبل أيام قليلة.
زيارات الأطباء المنتظمة إلى غرفة العناية بدو بثيابهم البيضاء كحمامات سلام بين الزمن والمرضى، كانوا يدرسون الحالات بدقة ومثابرة فعليها يعتمد تخصصهم.
كلما اكتشفت ركناً من المشفى تنتبه إلى البنية المعمارية الجميلة، ورغم كل الأنين الذي يختتق به الطابق السادس من مشفى تشرين، إلا أن المناظر المحيطة بالمشفى، وطريقة التعاطي الطبية والإدارية كان لها أثرها المميز في التخفيف من وطأة الحالات.
لقد لفتها في هذه المنظومة تلك الثغرة المتعلقة بوسطاء المكاتب وكيف يتعاطون مع المرضى أو أقربائهم ممن يحتاجون
إلى مراجعة المديرين لسبب إنساني ما.
إحدى السكرتيرات أعطت رقمها واسمها بشكل خاطئ، وهي تستمر بهز شعرها الأسود الطويل، بينما طبيبة المخبر،
حتى بعد أن أقر الطبيب إجراء أحد التحاليل، أصرت أن لاداعي له….
لم تتعمق في كل المشكلات، فظرفها لايسمح لها، ولكن هالها كل هذه التناقضات والقسوة التي يتمتع بها البعض في مكان يفترض ألا ترفرف فيه سوى روح إنسانية لعلها على الأقل تخفف من وطأة المرض.
العدد 1196 –9 -7-2024