الثورة- فردوس دياب:
فرط النشاط الحركي، هو أحد الاضطرابات العصبية التي تصيب الأطفال في سن مبكرة، الأمر الذي يؤثر على سلوكهم وحياتهم المدرسية والاجتماعية، ليس في مرحلة الطفولة فحسب، بل قد يمتد إلى مرحلة المراهقة والشباب، إن لم ينتبه الأهل إلى اكتشافه ومعالجته في بداياته، لذلك يجب الانتباه جيدًا إلى أطفالنا عندما نلحظ أن لديهم فرط نشاط وحركة زائدة، أو في حالة ظهور أحد أعراض هذا الاضطراب المرضي.
قصور الانتباه
للتعريف أكثر بخطورة هذا الاضطراب وضرورة معالجته التقينا الدكتورة خنساء البدوي (اختصاص علم نفس إكلينكي) التي عرفت «فرط النشاط « بأنه أحد اضطرابات النمو العصبية الذي ينتج عن نقص في كمية الموصلات الكيميائية (الدوبامين، النورأدرينالين) في قشرة الجزء الأمامي (الفص الجبهي) التي تسهل للخلايا تنفيذ عملها والتواصل بين أطراف الدماغ، وهناك مسميات أخرى للمرض ( أفتا – اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط – قصور الانتباه وفرط الحركة).
يؤثر اضطراب قلة الانتباه وفرط النشاط بحسب الدكتورة في انتباه الطفل المستمر وتركيزه ومثابرته على تنفيذ المهام (القدرة على إنجاز المهمة)، كما أن الأطفال ما دون سن المدرسة المصابين باضطراب قلة الانتباه وفرط النشاط قد يواجهون مشكلات في التواصل، ويبدون كما لو كانوا يعانون من مشاكل في التفاعل الاجتماعي، ومع بلوغهم سن المدرسة، قد يبدون وكأنهم غير مُبالين، قد يتململوا ويتذمروا كثيرًا، وقد يكونوا مندفعين ويتحدثون بدون إذن، وقد يُأرجح هؤلاء الأطفال أرجلهم بشكل متواصل، ويحركون أيديهم، ويتحدثون باندفاع، وينسون بسهولة، ويبدون غير منظمين غير أنهم لا يكونوا عدوانيين عمومًا.
صعوبة التركيز والمزاجية
وعن أعراضه، أوضحت الدكتورة البدوي انها تتراوح بين الخفيفة و الشديدة، وقد تشتد أو تصبح إشكالية في بيئات معينة، مثل المنزل أو المدرسة، حيث يمكن لطبيعة الشروط الانضباطية داخل المدرسة وأنماط الحياة المنظمة أن تجعل اضطراب قلة الانتباه وفرط النشاط إشكاليًا، و أن بعض أعراضه يمكن أن تحدث أيضًا عند الأطفال الذين لا يعانون من الاضطراب، إلا أن تلك الأعراض تكون أكثر تكرارًا وشدةً عند الأطفال المصابين بالاضطراب، مبينة أنه يبدأ دائمًا في مرحلة الطفولة، إلا أنه قد لا يجري تشخيصه أو تمييزه حتى سن المراهقة أو البلوغ، وتستمرُّ الاختلافات العصبية والأعراض السلوكية لدى نحو نصف الأشخاص في مرحلة البلوغ، حيث تظهر الأعراض عند البالغين في صعوبة التركيز و إنجاز المهام (ضعف المهارات التنفيذية) والأرق وتقلب المزاج وقلة الصبر وصعوبة الحفاظ على العلاقات الاجتماعية.
وذكرت البدوي أن تشخيص الاضطراب يكون أكثر صعوبة في أثناء مرحلة البلوغ لأن أعراضه قد تكون مشابهة لتلك الاضطرابات النفسية، كتقلبات المزاج واضطراب القلق، كما أن الأشخاص الذين يتعاطون الكحول والعقاقير الترويحية قد يعانون أيضًا من أعراض مشابهة حيث يطلب الطبيب من البالغ الإجابة عن استبيانات لتشخيص اضطراب قلة الانتباه وفرط النشاط، لكنه قد يحتاج أيضًا إلى مراجعة سجلات المدرسة للتأكد من وجود نمط من عدم الانتباه والاندفاع.
وبالنسبة لأسبابه، أكدت الدكتورة البدوي أن الخبراء حتى الآن لم يستطيعوا تحديد سبب واحد يمكن أن تُعزى إليه الإصابة باضطراب قلة الانتباه وفرط النشاط، ولكن العوامل الجينية (الموروثة) غالبًا ما تكون حاضرة حيث تشير الأبحاث إلى أن خللًا في النواقل العصبية (المواد التي تنقل الإشارات العصبية داخل الدماغ) تساهم على الأرجح في الإصابة بهذا الاضطراب تشمل بعض عوامل الخطر الأخرى مثل انخفاض الوزن عند الولادة (أقل من 1500 غرام)، وإصابة الرأس، وعدوى الدماغ، وعوز الحديد، انقطاع التنفس الانسدادي في أثناء النوم، والتعرض لمادة الرصاص، بالإضافة إلى التعرض للكحول أو التبغ أو الكوكايين قبل الولادة، كما يرتبط اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط أيضًا بالأحداث الصادمة في أثناء الطفولة، مثل العنف، أو سوء المعاملة، أو الإهمال.
وبينت الدكتورة البدوي، أن هناك مخاوف حول ما إذا كانت الإضافات الغذائية والسكر قد يسببان اضطراب قلة الانتباه وفرط النشاط، وعلى الرغم من أن بعض الأطفال يبدون مُفرطي النشاط أو مندفعين بعد تناول الأطعمة التي تحتوي على السكر.
المعالجة السلوكية
أما بالنسبة للعلاج أوضحت الدكتورة خنساء أن الأطفال المصابين باضطراب قلة الانتباه وفرط النشاط تعالج عن طريق المعالجة السلوكية والأدوية المنبهة، حيث تساعد الأدوية على تخفيف الأعراض، والسماح للطفل بالمشاركة بسهولة أكبر في الأنشطة المدرسية والأنشطة الأخرى، مع ملاحظة وجود تأثيرات جانبية للأدوية النفسية المنبهة مثل، اضطرابات النوم (الأرق)، وانخفاض الشهية للطعام، الصُّدَاع، ألم المَعِدَة، ارتفاع معدل ضربات القلب وضغط الدم، الاكتئاب، أو الحزن، أو القلق حيث تختفي جميع هذه الآثار الجانبية عند التوقف عن تناول الدواء، ومع ذلك عند تناول جرعات كبيرة لفترة طويلة، يمكن للأدوية النفسية المنبهة أن تبطئ نمو الأطفال، لذلك يقوم الأطباء بمراقبة وزنهم وطولهم، وقد ينصح الأطباء بأخذ استراحة من تناول الدواء في الأوقات التي لا يحتاج فيها الطفل إلى الانتباه أو التركيز، مثل عطلات نهاية الأسبوع أو خلال فصل الصيف ومع ذلك، فقد يواجه بعض الأطفال صعوبة كبيرة في القيام بنشاطاتهم اليومية بدون تناول الدواء، حتى وإن كانوا في إجازة من المدرسة، وقد لا يتحملون أخذ مثل تلك الاستراحات، مبينة أنه يجب وضع قواعد وأنظمة روتينية، وخطة للتدخل في المدرسة، وتقنيات رعاية أسرية معدلة، وذلك بهدف الحدّ من تأثيرات اضطراب قلة الانتباه وفرط النشاط حيث قد يستفيد الأطفال الذين لا يواجهون تحديات سلوكية كبيرة من العلاج الدوائي وحده ولكن الأدوية النفسية المنبهة لا تعمل على مدار الساعة، لذلك يجب التدرب على التكيف للمساعدة على تحسين المهارات التنظيمية، وعلى المشاركة بين العلاج السلوكي الذي يقوم به اختصاصي الطب النفسي مع العلاج الدوائي.