الثورة – غصون سليمان:
تعددت التسميات والوجع واحد.. بعدما أخذت التحديات والظروف المختلفة توصد النوافذ على رياح الوصمة بدل أن تفتحها على مصراعيها، وتشرح الأسباب وتعالج النتائج، في مجتمع أثقلت عتباته بعض المصطلحات المشوهة والتي أثرت بالعادات والتقاليد إلى حد ما، ولكن الأقفال لم تعد موصدة، كما لم تعد قصصهم حبيسة الجدران بين خوف الأهل وفضول الجيران، من معرفة أن هذه العائلة وتلك الأسرة لديها شخص أو أكثر من ذوي الاحتياجات الخاصة كما درجت التسمية، أو ما يسمى اليوم مع تطور المصطلح بذوي الإعاقة أو ذوي الهمم وغيرها.
وهنا لا تهم التسمية بقدر ما يهم نظرة المجتمع الكلية إلى هذه الشريحة وما هي القوانين المنصفة لناحية التعاطي كمؤسسات وأفراد وبيئة عمل محيطة، منزل، مدرسة، جامعة وغيرها.
هم شريحة من أبناء المجتمع قدرهم أن يعانوا من مشكلات جسدية أو ذهنية لأسباب مختلفة ورثتها الطبيعة الخلقية أو الظروف والطوارئ على مدى سنوات، حدت من تفاعلهم وقدرتهم على العطاء بالشكل المطلوب.
هذه المعضلة بالنظرة والمفهوم بددها
انفتاح المجتمع على تقبل مجمل العناصر الخاصة بمفهوم الدمج مع جميع الأقران الآخرين وفي كافة المجالات، انطلاقاً من عدم خجل الأهل أن لديهم شخص ذو إعاقة تلك النظرة التقليدية المؤلمة.
ولعل الأهم في هذا السياق ما عملت عليه سورية وبذلت جهوداً كبيرة من أجل تعزيز وتعميق مفهوم التنوع وانتشار مؤسسات الرعاية بمسمياتها العديدة لهذه الشريحة بعد مصادقتها على الاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة عام ٢٠٠٩.
ما استدعى حث الطاقات وبناء قدرات الكوادر الوطنية في مجال رعاية ذوي الإعاقة والأخذ بعين الاعتبار ازدياد حالاتها وتنوع أنماطها بعد أربعة عشر عاماً من حرب عدوانية ظالمة.
لقد عملت السلطة التشريعية وبشكل كبير على خلق وترسيخ واقع وجملة مكتسبات لضمان حقوق هذه الشريحة في بلدنا وفق أولويات العمل التي يحتاجونها لتأمين حياة ميسرة وآمنة..
وذلك وفق استراتيجية وطنية موحدة وتشاركية تقوم على تكريس الوعي بحقوق هؤلاء بغية تعزيز مقومات إدماجهم في جميع مجالات الحياة.
من خلال توفير التدريب المهني المتخصص الذي يساعد في توفير فرص عمل تلائم إعاقتهم”.
فالطاقات المبدعة التي يمتلكها ذوي الإعاقة من خلال تحديهم للصعوبات وتصميمهم على تحقيق النجاح والإنجاز على جميع المستويات. باتت علامة فارقة مشهوداً لها في يوميات المجتمع السوري. حيث الوصمة “والمعيار” أزيحتا جانباً لتتقدم مهارات هؤلاء مساحة شطرنج اللعب على أوتار الذكاء، كرسالة للجميع بأن الإعاقة عبارة عن طاقة لا حدود لها، فالإعاقة هي إعاقة العقل وليس الجسد.
تحديد المسؤوليات
من هنا تأتي اليوم أهمية المرسوم التشريعي رقم/ ١٩/ لعام ٢٠٠٢٤ الذي أصدره السيد الرئيس بشار الأسد الخاص بحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لناحية تحديد مسؤوليات العمل والواجبات المتعلقة بتنفيذه بدءاً من الحكومية، مروراً بالمجتمع الأهلي وصولاً للأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم.
المرسوم في بنوده وتفاصيله الغنية والشاملة لكل المفاهيم أوضح أن الإعاقة في سورية قضية وطنية، لطالما كان التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة من منطلق الثقة بدورهم وأهمية مساهمتهم في المجتمع وفقاً لإمكاناتهم هو أحد المبادئ الأساسية التي يتم التعامل بها معهم من قبل المجتمع الأهلي والجهات الحكومية المعنية بالقضايا المرتبطة بهم، ومع صدور قانون “المعوقين” رقم 34 لعام 2004 في سورية، تم تبني الرؤية والاتجاه الشائع في حينه في مقاربة بعض المسائل المتعلقة بالإعاقة، وكان إقرار الحكومة السورية “الخطة الوطنية لرعاية وتأهيل المعوقين” بالعام 2009م” ومحاولة إطلاق البرامج التنفيذية لفعالياتها دليلاً عملياً على جدية التعاطي مع هذه المسألة.
ليأتي التطور الأممي النوعي في مقاربة مسألة الإعاقة بعد تبني اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (CRPD) وصدور التقرير العالمي حول الإعاقة وما يوفر ذلك من دليل للسياسات والبرامج بما يمكن من تحسين نوعية حياة الأشخاص ذوي الإعاقة.
لم تكن مُصادقة سورية على اتفاقية الأمم المُتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبروتوكول الاختياري الملحق بها عام 2009، نقطة انطلاق تغيير المفاهيم الأساسية تجاه هذه الشريحة من المُجتمع، بل كان الاهتمام بالأشخاص ذوي الإعاقة في بلدنا حتى من قبل إصدار القانون 34 للعام 2004، إلا أنه كان أحد الإجراءات التي ساهمت بحشد الجهود لجعل قضية الإعاقة أحد الأولويات لدى كافة القطاعات.
إلا أن الحرب العدوانية على بلدنا في العام 2011 واستمرارها، لاشك أنها أثرت سلباً سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر على تردي أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة بمختلف المجالات وعلى جميع المستويات – كغيرهم من أبناء المُجتمع ما أدى إلى تزايد الإعاقات المُكتسبة والمُركّبة، ناهيك عن ظروف الحصار التي فرضتها وتفرضها الدول الداعمة للإرهاب على سورية إلى تراجعٍ في نوعية وجودة الخدمات الخاصة بذوي الإعاقة وعرقلت حصولهم على المُستلزمات الأساسية كالأطراف الاصطناعية، والكراسي المُتحركة، والتجهيزاتٍ الطبيّة، ممّا فاقم من معاناتهم.
كل ما سبق، وحسب مضمون المرسوم لم يمنع الجهات المعنية (الحكومية والأهلية) من العمل على تطوير استراتيجية وخطة عمل وطنية للإعاقة تعتمد مفهوم الإعاقة والنهج المعتمد على حقوق الإنسان، وتلائم التغيرات الهامة في الواقع السوري وما يستلزم ذلك من مراجعة في مقاربة هذه المسألة لاسيما في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار، حيث تم إقرار الخطة الوطنية للإعاقة التي تضمنت /4/ أهداف استراتيجية أهمها:
العمل على تطوير القدرات المؤسساتية وتعزيز أداء القطاع وفعاليته.
وتعزيز تقديم الخدمات الصحية والتأهيلية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة ومُراقبة آلية تنفيذ البرامج وتقييمها.
إضافة لدعم مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في مختلف نواحي الحياة.
مع تسهيل وصولهم للخدمات العامة.
حيث جاءت هذه الخطة لتؤسس لانطلاق العمل في عملية الدمج الشامل للأشخاص ذوي الإعاقة في سورية، وتحقق خطوة متقدمة باتجاه التنمية المستدامة.