الثورة – رفاه الدروبي:
وقَّع الكاتب الدكتور محمد عامر مارديني روايته “صاحب الظل القصير” في فرع دمشق لاتحاد الكتَّاب العرب، بحضور رئيس الفرع الدكتور إبراهيم زعرور، ومشاركة الدكاترة لميس داود، طارق عريفي، عبد الله الشاهر، عاطف بطرس.
الدكتورة لميس داود رأت بأنَّ د.مارديني يركِّز على سيميائية المكان، معتمداً على حوار داخلي تتناحر به الشخصية ذاتها حول موقف نفسي معين يقتضي منها المراجعة، فالمكان مفتوح لا يوحي بأيَّة طمأنينة أو حماية، وله دلالات تتجلى في الضياع وذوبان الذات مع أنَّها محاولات كي تجد الشخصيات في المنازل الملاذ الآمن وتستمدُّ دلالات الحبَّ والألفة والأضواء، موازنةً بين رواية صاحب الظل الطويل المنتهية بخاتمة سعيدة؛ وبين رواية صاحب الظل القصير للدكتور مارديني المعتمدة على نهاية مأساوية.
البطولة الطفلية
ولفت الدكتور عبد الله الشاهر إلى أنَّ الدكتور مارديني استطاع الإمساك بقارئه منذ بداية العمل حتى آخر صفحة من صفحاتها، ممتلكاً قدرة فنية في صياغة التركيب الروائي، ولم يترك المتلقي يلتقط أنفاسه فالمتابعه حثيثة وشغف الكشف عن الحدث كان حاضراً في ذهنية المتلقي، بسبب مركزيته وطريقة سرده، حيث تطلَّب التتبع إلى نهاية الرواية المنتمية من حيث بنيتها الفنية إلى الرواية القصيرة، وتعتبر نوعاً أدبياً يمتاز بالطول المتوسط بتركيزها على فكرة واحدة غالباً ما تكون موجَّهة لليافعين، وتركِّز على بطل محور واحد تقوم على أكتافه بقية الشخصيات الملحقه به، مبيِّناً الدكتور الشاهر إلى أنَّ البنية الفنية تنتمي إلى الواقعية الحديثة وتأخذ مادتها من الواقع، كما يبني عليها الكاتب ما يريد من أفكار ووسائل يؤديها، مستخدماً خيالاً غريباً من الواقع دُوَّنه الكاتب على مدى ١٤٣ صفحة من القطع المتوسط ثم قسَّمها إلى ثمانية عشر مشهداً وفق مسارات الحديث، وهناك سردية حكائية استخدمها الراوي في سير أحداث العمل، معتمداً على السرد الحكائي أي نقل الحكاية إلى المتلقي في إطار روائي مكاني عبر حبكة فنية ممتعة متقنة، فالمحكي خطاب شفوي أو مكتوب يعرض الحكاية، والسرد ينتج المحكي في روايته، مستخدماً طريقة الخطف خلفاً واسترجاع الأحداث وتوظيفها، ويمكن اعتبار العمل من الأعمال البوليسية لاحتوائها في الأساس على مادة جريئة، كما اعتمد الروائي على عدد قليل من الشخصيات لكنها فاعلة ومؤثرة في الحدث، وتقارب في حضورها البطولة الطفلية.
صراع داخلي وخارحي
كما قال الدكتور طارق عريفي: إنَّ الرواية تتناول الصراع الداخلي والخارجي للإنسان ويمكن للقارئ أن يجد عبارات كثيرة في حياة أبطالها، وتأثُّر وتأثير الظروف الاجتماعية على سلوك الإنسان الواقع ضحية الجهل والطمع والفساد، والأهم ضياع العقل والذكاء في ظل غياب الأخلاق والتربية، كما استطاع الكاتب الكشف عن متناقضات تنطوي عليها الشخصية من خلال الحدث الدرامي المتواتر حيث يسير بالقارئ نحو أحداث درامية مشوِّقة وتدفعه رغبة شديدة إلى المزيد من الاكتشاف في معرفة أسرار الألغاز الدرامية في الروايه، تلك الأسرار تتكاثف حتى الذروة، ويحاول القارئ التكهُّن بمعرفة بعضها لكنه ينحرف عن معرفة الحقيقة بسبب المناورة الدرامية الواقع بها مؤلف الرواية فلا يقف على الحقيقة إلا عندما يُقرِّر أن يطلعه على الرواية من أجل تمسُّك الإنسان بالأخلاق والفضيلة والابتعاد عن الفساد والرذيلة، وبأنَّ الأمم تُبنى بالأخلاق وتبقى ببقائها كما تزول بزوالها، وبذلك فليست القناعة مجرد كنز بل يقي الإنسان من السقوط في مهاوي الجشع والطمع، لأنَّ الأخلاق الكريمة لا تقف عند حدود الإنسان ذاته بل تتجاوز الأجيال القادمة، موضِّحاً بأنَّ الزمان والمكان والشخصيات في الرواية كانت معظمها خائنة وغدَّارة ولا تثق ببعضها، فحين فقدت الأخلاق فقدت معها الثقة والاطمئنان، منوِّهاً إلى البراءة في التصوير والعذرية المتجلِّية صورها في ملامح الشخصيات، ومشاعرها، وكان الوصف المادي للشخصيه قليلاً وجَّهه الكاتب نحو أهداف جنائية.
لليافعين والشباب
فيما أشار عاطف بطرس إلى أنَّ الرواية القصيرة كتبها كثر، منهم: نجيب محفوظ، طالب عمران، غسان كنفاني وغيرهم، لكن الكاتب مارديني اعتمد في روايته “صاحب الظل القصير” على الوصف الموجز الفعَّال، وإزالة الأسئله دون الاهتمام بطرح الإجابات، فالرواية اتسمت فيما اكتسب به النص الموازي لصاحب الظل الطويل واستمر الاستدعاء روائياً كي يحقق أحداثا لافتة للمتلقي، كما استطاع أن ينهض بالعمل من العنوان وذلك بقدرته على التأثير، فشخصية سعيد تريد جمع المال من خلال السفر إلى الخارج لكنه حقَّق نجاحاً موهوماً عندما عوَّض فشله العملي والفكري ولم يكن محكوماً بأخلاقه؛ بل كان سلوكه انعكاساً لنواياه. وبالنتيجه لا بدَّ من التركيز على القيم والأخلاق.
أمَّا صفحة الغلاف فتشير إلى أنَّ الرواية موجَّهة لليافعين والشباب، وتنتمي في بنيتها الفنية إلى الرواية الحديثة كما يمكن استخدام الخيال، وفق مسارات الحدث الروائي والسرد الحكائي لإيصاله إلى المتلقي في إطار زماني ومكاني وفق حبكة فنية منضبطة السرد.
الرواية تعج بالمشاعر والأحاسيس رغم قلة الشخصيات إلا أنَّها كانت فعلاً مؤثراً في الحدث الروائي، بسبب اعتماد الكاتب على عنصر الحكاية والنهاية ارتبطت بالمنطق فأتت لصالح العدالة لأنَّ ما بُني على باطل كان باطلاً.
الأدب الساخر
بالمقابل أكَّد الكاتب محمد عامر مارديني على أنَّه متخصِّص في كتابة القصة القصيرة الساخرة، وحين بدأ بكتابة رواية صاحب الظل القصير ذات الموضوع الواقعي الفني راح يدخل شخصيات في القصة، فأصبحت طويلة؛ ويمكن الاكتفاء من كتابة الرواية والعودة للقصة القصيرة.