الثورة- ترجمة ميساء وسوف:
خلال اجتماعهما الأخير في موسكو، اتفق رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إعلان مشترك على إجراء التجارة والاستثمار بالعملتين الوطنيتين لكل منهما (الروبية والروبل)، وهو ما يعني، إزالة الدولرة بحكم الأمر الواقع في الهند، وهي دولة من المتوقع أن تصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم في السنوات المقبلة، وروسيا، التي حلت بالفعل محل اليابان من المركز الرابع في الترتيب العالمي لقياس القدرة الشرائية، وفقاً للبنك الدولي.
ومن المتوقع أن تكتسب عملية إزالة الدولرة وتيرة أكبر في قمة البريكس+ المقبلة في قازان في تشرين الأول القادم، والتي سترأسها روسيا.
في التاسع من تموز الجاري، صرحت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، خلال جلسة أمام لجنة المالية في مجلس النواب، بأن “مخاوفها الأكبر” تتمثل في إزالة الدولرة بسبب قسوة العقوبات المفروضة على خصوم واشنطن الذين يسعون إلى بدائل أخرى غير الدولار.
ويؤكد المحلل ويليام بيسيك من صحيفة آسيا تايمز على “الاعتراف الاستثنائي الذي أدلت به جانيت يلين: إن إلغاء الدولرة هو الآن أكبر مخاوفها”. ويقارن بيسيك تفاؤل يلين بما كانت عليه قبل أكثر من عامين عندما قالت: “لا أعتقد أن الدولار يواجه أي منافسة جادة، ومن غير المرجح أن يواجه منافسة قوية لفترة طويلة”.
وفي آذار 2022، بدأت وكيلة وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند ، التي أطيح بها الآن بسبب فشلها في منصبها، في الاعتماد على حقيقة مفادها أن العقوبات المفروضة على موسكو من شأنها أن تجعلها ترزح تحت وطأة الضغوط وتؤدي إلى هبوط ترتيب روسيا الاقتصادي.
ولكن بدلاً من ذلك، أعلن البنك الدولي في وقت سابق من هذا الشهر أن روسيا مصنفة كدولة ذات دخل مرتفع، مؤكداً بذلك فشل نظام العقوبات الغربي.
وبحسب بيسيك، هناك ديناميكيتان تعملان على تسريع عملية إزالة الدولرة في واشنطن: الدين القومي الأميركي الذي زاد بشكل كبير ويقترب الآن من 35 تريليون دولار، ودورة الانتخابات الأميركية.
وكان ذلك قبل محاولة الاغتيال الفاشلة للمرشح دونالد ترامب وبعد أن أعلن بايدن أخيراً أنه سيتنحى عن الترشح في الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل.
ويحسب المحللون أن قوة الدولار تأتي من سند الهيمنة، الذي كان قبل 11 عاما يشكل 9.36% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى ما يقرب من 110 تريليون دولار هذا العام. ومع ذلك، وعلى الرغم من الاقتصاد العالمي الهائل، يواصل المتملقون الغربيون الثناء على الدولار ورفض أشكال أخرى من العملات، مثل مركز جيو إيكونوميكس التابع للمجلس الأطلسي، الذي يحتفل بالاقتصاد الأميركي المزدهر لكنه يخفي حقيقة مفادها أن النمو الأميركي يرجع إلى “اقتصاد الحرب” المتمثل في المجمع الصناعي العسكري، الذي تساهم الحروب في أوكرانيا وغزة في الناتج المحلي الإجمالي المحلي.
ومع ذلك، وعلى الرغم من محاولات واشنطن الحفاظ على هيمنة الدولار في التجارة العالمية، فقد اتفقت الهند وروسيا على مواصلة العمل معا لتعزيز نظام التسوية الثنائية باستخدام العملات الوطنية عندما زار مودي موسكو يومي 8 و9 تموز.
قال أكبر بنك في روسيا، سبيربنك، إنه منذ عام 2023، ضاعفت الهند وروسيا مدفوعاتهما بالعملتين الوطنيتين على الرغم من العقوبات التي تقودها واشنطن. ومن الطبيعي أن يزداد هذا الارتفاع حدة بعد زيارة مودي إلى موسكو، خاصة بعد أن أعرب خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال الهنود الذين يعملون في روسيا عن أملهم في الاستفادة من الفراغ الناجم عن خروج الشركات الغربية.
ارتفعت صادرات الهند إلى روسيا بنسبة 59% بين العامين الماليين 2021 و2024، بينما ارتفعت الواردات بنحو 8300% بسبب شراء الهند للنفط الخام بسعر رخيص للغاية . وعلى الرغم من ارتفاع العجز التجاري إلى 57.2 مليار دولار من 2.8 مليار دولار قبل الحرب، إلا أن مؤسسة الأبحاث التجارية العالمية الهندية تشير إلى أن هذه الزيادة ترجع إلى شروط تجارية مواتية، مثل الطاقة المخفضة، وحاجة موسكو إلى إيجاد أسواق جديدة وسط العقوبات الغربية.
ورغم أن نيودلهي لا تحاول بنشاط إثارة غضب واشنطن من خلال تعزيز العلاقات التجارية مع روسيا والتجارة بالعملات الوطنية، فإن صناع القرار الهنود لن يترددوا في خدمة المصالح الفضلى لبلادهم، مثل الحصول على الطاقة الروسية الرخيصة، من أجل تحقيق المصالح الأميركية في أوكرانيا. ومن خلال قطع علاقات روسيا بنظام سويفت وفرض العقوبات، عملت الولايات المتحدة، كما حذر كل محلل جاد لسنوات، على تسريع عملية إزالة الدولرة بدلاً من الحفاظ على نظام الهيمنة.
المصدر- غلوبال ريسيرش.