الثورة – لينا شلهوب:
ليست التغذية المدرسية مجرد وجبة تقدّم لتلاميذ المدارس، بل هي رسالة تنموية عميقة المعنى، تسعى إلى ترميم ما أفسدته سنوات الحرب والضائقة الاقتصادية في جسد الطفل السوري وعقله وروحه.
فالمدرسة، التي يفترض أن تكون فضاء للمعرفة، لا يمكن أن تنهض بدورها ما لم تكن بيئة صحية قادرة على احتضان طلابها جسداً وعقلاً.
جزء من العملية التربوية
في هذا الإطار، يبرز التعاون القائم بين وزارة التربية والتعليم، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP) كأحد النماذج التي تترجم فكرة بناء الإنسان قبل البنيان، فالمناقشات التي جمعت الجانبين مؤخراً لم تكن بروتوكولية بقدر ما كانت بحثاً عن معادلة تضمن استدامة الغذاء كجزء من العملية التربوية، لا كعمل إغاثي مؤقت.
وكان معاون وزير التربية والتعليم للشؤون التربوية يوسف عنان التقى أمس نائب المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي (WFP) خالد عثمان لبحث تطوير برامج التغذية المدرسية، وآليات العمل المشتركة، وذلك في إطار الجهود المستمرة لتحسين بيئة التعليم، ودعم الأطفال في المدارس، وبهدف تعزيز أثر هذه البرامج على التحصيل العلمي والصحي للطلاب في مختلف المحافظات، استعرض الجانبان الخدمات التي يقدمها البرنامج في سوريا، وآليات تقييم أثرها الفعلي على الأطفال الذين عادوا إلى المدارس، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، وما يرافقها من تحديات معيشية تؤثّر بشكل مباشر على العملية التعليمية.
حيث يدرك القائمون على البرنامج أن الجوع لا يهدد الجسد فحسب، بل يقوّض قدرة الطفل على التعلم والتركيز والانتباه، لذلك فإن توفير وجبة صحية متكاملة في المدارس يشكّل استثماراً في رأس المال البشري، ووسيلة لتقليل التسرب الدراسي، خصوصاً في المناطق التي ترهقها الأوضاع المعيشية.
تكامل تربوي وصحي
وحول أهمية ذلك، أكد عنان على ضرورة تطوير آلية عمل برنامج الأغذية العالمي بما يضمن الوصول إلى معلومات دقيقة وشاملة حول نتائج برامجه في المدارس، مشيراً إلى أن تقييم الأثر يمثل خطوة أساسية في تطوير الأداء وتحسين جودة الخدمات المقدمة، فيما لفت إلى أن الوزارة تسعى من خلال تعاونها مع البرنامج إلى تحقيق التكامل بين الجانب التربوي والصحي، باعتبار أن التغذية السليمة تشكّل عاملاً أساسياً في دعم التركيز والانتباه والنشاط الذهني للطلاب، وبالتالي رفع مستويات التحصيل العلمي.
كما أشار إلى أن التعاون بين الوزارة وبرنامج الأغذية العالمي يشكّل نموذجاً ناجحاً للشراكات الدولية التي تركّز على بناء الإنسان، وتعزيز فرص التعليم للجميع، مؤكداً على ضرورة استمرار هذا التعاون في المرحلة القادمة، وتوسيعه ليشمل مناطق أكثر، مع تطوير آليات التوزيع والمتابعة لضمان العدالة في تقديم الخدمات وتقييم فعاليتها بدقة.
إن الأثر الإيجابي لهذه البرامج لم يعد محل نقاش، فبحسب دراسات تربوية محلية، ارتفعت نسب الحضور والانضباط المدرسي في المدارس التي تقدَّم فيها وجبات يومية، كما لوحظ تحسّن واضح في مستويات التركيز والتفاعل الصفي، وهي مؤشرات لا يمكن تجاهلها عند الحديث عن جودة التعليم.
ومع ذلك، يرى عنان أن الاستدامة تبقى التحدي الأكبر، فنجاح برامج التغذية لا يتحقق فقط بتوزيع الوجبات، بل بربطها بدورة إنتاج محلية، تتيح للمجتمعات الريفية المشاركة في إعداد المواد الغذائية، ما يحوّلها إلى مشاريع اقتصادية صغيرة تعزز الاكتفاء الذاتي وتمنح الأهالي إحساساً بالمشاركة والمسؤولية، لذا فتطوير هذه البرامج يجب أن ينظر إليه كجزء من استراتيجية وطنية لبناء مستقبل متوازن، حيث تتقاطع التربية مع الصحة والاقتصاد في مشروع واحد عنوانه الإنسان.
تقييم أثر الوجبات المدرسية
من جانبه، أكد نائب المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي، التزام البرنامج بمواصلة تقديم الدعم الغذائي في سوريا، مشيراً أن الهدف ليس فقط إطعام الأطفال، بل تحسين بيئة التعليم ككل من خلال رفع مستوى التغذية والصحة العامة لدى التلاميذ، وهو ما ينعكس إيجاباً على أدائهم الدراسي واستمراريتهم في التعليم، وأضاف أن البرنامج يعمل بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم لتفادي نقص المغذيات الأساسية التي يحتاجها الأطفال، خاصة في المراحل الدراسية الأولى التي تتشكل فيها قدراتهم الجسدية والعقلية.
كذلك تطرق إلى أن برنامج الأغذية العالمي يسعى إلى تعزيز استدامة برامج التغذية المدرسية عبر دعم الإنتاج المحلي وتطوير سلاسل الإمداد، بما يضمن استفادة المجتمعات المحلية أيضاً من هذه المبادرات، كما أكد أن البرنامج يعمل على جمع وتحليل البيانات الميدانية لتقييم أثر الوجبات المدرسية على صحة الأطفال، ومستويات الحضور، والانضباط، والتحصيل العلمي.
أثر برامج التغذية
وبحسب خبراء تربويين، تأتي هذه المناقشات في وقت تظهر فيه الدراسات التربوية والصحية أن برامج التغذية المدرسية تساهم بشكل ملموس في زيادة نسب الالتحاق بالمدارس والحد من التسرب، لاسيما في المناطق التي تعاني من أوضاع معيشية صعبة، فوجود وجبة غذائية يومية يخفف العبء عن الأسر، ويمنح الأطفال حافزاً إضافياً للحضور المنتظم إلى المدرسة.
كما تلعب هذه البرامج دوراً مهماً في تحسين الحالة الصحية والنفسية للتلاميذ، إذ تزوّدهم بالعناصر الغذائية الأساسية التي تعزز المناعة والنمو البدني والعقلي، وتنعكس هذه التحسينات على الأداء الدراسي من خلال رفع معدلات التركيز والانتباه والمشاركة الصفية.
فيما شدد الطرفان خلال اللقاء على أهمية تطوير قاعدة بيانات وطنية مشتركة، لرصد أثر برامج التغذية المدرسية بشكل دوري، وربطها بمؤشرات الأداء التربوي والصحي، كما تم التأكيد على ضرورة إشراك المجتمعات المحلية والمنظمات الأهلية في دعم وتنفيذ هذه البرامج بما يضمن استدامتها وتوسعها الجغرافي.