على سرير الماء

الملحق الثقافي-غادة اليوسف:
أتوا إلى البحروقد ناداهم الماء، فلبّوا النداء بشوقهم الأبدي لصفاء العنصر الأوّل البدئي، والأرض في حمّى وهذيان، فالتقوا بلا اتفاقٍ كما العناصر الأولى، لاعقود ولا مواثيق:سُمْرٌ، وسودٌ، وبيضٌ، وشقرٌ، ومن كلِ لون، نساءٌ، ورجالٌ، صغارٌ، وكبارٌ، لامذاهب، لاطوائف، لاقبائل، لاعقائد، لاأسماء، بل عراةٌ من كلّ رجسٍ، مشوا على الماء، فباركتهم الشمس في عناق الزرقتين، وكستهم حنطتها الطازجة.
على سرير الماء ألقوا بأحمال أرواحهم، فحملتها الأمواج بعيداً..بعيداً..وكانوا مع الماء كالماء عراة، أنقياء كحقيقتهم الأولى..فما أعظمك أيها البحر: قادر جبّار، ليّن ورحيم، تحضنهم، تتغلغل في مساماتهم، وتبثُّ رسائل المودّة، وتجرف عن أرواحهم ما تراكم من وعثاء التباعد والتنائي، فيغدون بالماء كأنهم الإنسان ذاته،كما كان، وكما يجب أن يكون، وكما سيكون يوماً وقد تطهّر بالملح والشمس والضوء، وبهجة اللقاء من شوائب الإنتماء والهويات الزائفة. فما احتاجوا لأسمائهم قط. لقد كانوا في أحداق الموج بسمةً، وقد أهداهم البحر ضحكته..على سرير الماء كانوا معاً، تزدهي الحياة بتكامل فسيفسائهم البديعة، أطفالاً يبنون قلاع الماء، ويحفرون في الرمل عميقاً..عميقاً إلى ما شاء حنينهم لدفء أوّل وأرحم رحم..وعلى سرير الماء احتفل البحر، فاصطخب، ورقصت أمواجه! أتُراه كان يروي قصيدته؟ أم يغنّيها لروحه؟ أم أنه كان يصلّي؟ وسيمفونية الحياة تصدح وهم ينقّطون شعراً؟ بل كانوا بتداخل أصواتهم، وضحكات أطفالهم..بتلاطم الموج مع خفق أرواحهم كانوا هم القصيدة، وقد توحّدوا مع البحر في برهةٍ من فرح الإنسان بالحياة فتمادوا بعيداً في عناق الزرقتين، ووصلوا السماء بالأرض..
ولكنّهم..حين خرجوا إلى اليابسة، ومنذ الخطوات الأولى على سواد القار الملتهب المحفور في قلب مدينة فقدتْ جدارتها أخذوا يقشّرون عن أديمهم الإنساني ما رمّمه الماء..ابتعدوا عن الماء أكثر..ودخل كلّ إلى ما خصّص له من أقفاص، فامّحت آخر لمسات الماء البديعة، واندحرت قبلات الشمس، ولبس كلٌّ تاريخه المستعار، وطوّقوا – متزيّنين- أعناقهم بقلاداتهم التي سعّرتْها مدنهم البائدة، يتأرجحون مع ثقل ما عُلّق فيها من رموز، كلٌّ يتباهى بثقل سلسلته، فانحسر الماء أكثر..وأكثر، وجفّت بهجته، ودخلوا على رسلهم غير آمنين، مُحْتَمين في توابيتهم المتنقلة وقد أبحروا في الغبار إلى موانيء انكسارهم واندحارهم..
في أحداقه ملوحة الدمع بقي البحر وحيداً، يغصّ ويجهش بالنكران وعلى وشك غضبة وانكسارٍ، كأمّ فشلت في تهذيب أبنائها..
ثمّة هدير مكتوم..وللماء غضبة ..أتراها تباشير الفيضان؟ أم نُذر إعصارٍ يصهرهم ، ويطهّرهم في أتون حزن واحد كبير، من حيث عجز الفرح ؟!
                          

العدد 1199 – 30 -7-2024     

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم