«على ضفة العدم» مابين الأصالة و كسرأفق التوقع

الملحق الثقافي- ديمه داوودي:
لم تكن رواية على ضفة العدم كسابقيها مماكتب الأديب عبد الله النفاخ، لقد امتازت بتحورواضح فاق المتوقع من حيث النضج الأدبي والسردي، فالتعابير والتراكيب هربت من عباءة الترهل فباتت أكثر تمكناً ووضوحاً ببساطتها وأسلوبها السهل الذي كان من النوع السهل الممتنع أحياناً، لكن شاركت سابق ماكتب من حيث الطرح والفكر الرصين حاملة مفاجآت تأخذ بتلابيب القارىء.
قد يظن البعض أن رواية على ضفة العدم أشبه برواية ذاتية شخصية تتحدث عن تعدد العلاقات والبحث عن علاقة جدية قويمة إلا أنها تتخطى هذا البعد بكثير وتخرج عن الإطار الشخصي وقوقعة الحدود الذاتية ليتحدث الكاتب عن معاناة وتنمر ووجع ضمن شريحة من شرائح المجتمع ،طالما قلّ ذكرها بسبب ماقد يتواجد من ازدواجيات في المعايير لدى الشخصيات
فالبعض من الشخصيات كان من شريحة المدرسين والمدرسات والبئية الحاضنة الصغيرة كانت المدرسة ثم الحي ثم انتقل إلى بعض شوارع دمشق متطرقاً إلى الأزمة التي مرت بها سوريتنا الحبيبة وكيف خلقت بداخله كلّ هذا النزاع دون إشارة واضحة إذا اعتمد التعابير التي تخاطب النفس وتلامس شغاف القلب فتحيط بالمعنى دون مواجهة عين الحقيقة، وبالوقت ذاته فالكاتب لم يتهم شريحة المدرسين أو المدرسة بسوء بل عرج إلى ذلك الخلل الذي قد يكون عند البعض في حين تحتاج أجيالنا إلى قدوة أكثر قوامة فالجميع لديه بقعة سوداء أو لنقل رمادية لايود الخوض فيه وهذا أمر مقبول مالم يؤثر على أجيال تتربى بين يديه بل ينحصر في الصعيد الشخصي وفكر الشخصيات .
وبالحديث عن الشخصيات فقد كانت رؤية الكاتب النفاخ لشخصياته غير محدودة إذ تركها ترسم سيرورتها في مجرى الرواية، فتمكنت شخصية نجاح على سبيل المثال من كسر التوقع في خلاف صغير برزمن خلال مخالفتها لتفسيرغير مقبول آية قرآنية!! .. وهنا برزت جذورالكاتب التربوية واللغوية إذ تدخل عبر شخصية عامر التي ربما كانت تشبهه في أصالتها وتوابعها لدرجة أن من يعرف الكاتب والبيئة التي انطلق منها يعرف أن الجذوة التي يحملها برزت هنا بصوته هنا لا بصوت عامرأو أنه تمكن من التماهي مع شخصية عامر دون تأطيرها والسيطرة عليها ، فعامر عدل بعد تفكيرطرح شخصية نجاح المقصود «لتسع» في الآية الكريمة حيث لا يقبل العقل تفسيراً كالذي اعتمدته هي في الشرح وهي خريجة الشريعة وهنا بدأ التوتر يزداد في كلمات الرواية التي باتت أكثر حدة إنما أكثر تفرعاً أي أن الكاتب تعمد الاغراق في بعض التفاصيل بغية الأخذ بتلابيب القارئ أمام مشهد مسرحي خاصة في الصفحة 107 حين أغرق بتوصيف طريق العودة في شارع الميدان نسج فتح شريان الذكريات في قلب الكاتب وعاد به الزمن ثلاث عشر سنة لتعود جذور الكاتب التربوية لتطفو على السطح بتوصيف مئذنة جامع الحسن معتمداً الآية الكريمة :(الله نور السموات والأرض) وهي الجملة المنحوتة على حائط الجامع الخارجي في حي الغواص في الميدان
وهنا يبدو أن الكاتب سمح أخيراً :لشخصية عامر بالتفلت التام من قلمه والتخلص من سيمة التماهي معه أو حتى مع الراوي الذي ندر ما ظهر صوته في الرواية فعامر الآن خارج أي قولبة متوقعة خاصة أن باقي الشخصيات كانت قد تفلتت من شباك الكاتب الأدبية.
وبذات الوقت هنا ظهرت ذورة جديدة للرواية إذ احتدمت التفاصيل وساد الخلاف بين الشخصيات التي بات بعضها مأزوماً كشخصية وفاء ووالدتها
ولأن شخصية عامر قد عانت ما عانته في الصفحات نجد الكثير من التفاصيل النفسية التي يمر بها أي شاب كان يبحث عن الاستقرار فما وجد أمامه إلا خيالات لثعابين في أثواب الورود يقول:
وما إن أنهى العبارة حتى سرت في جسده راحة عجيبة أعقبها خدر، التفت إلى أمه فرآها صامتة تحدق فيه بقلق فابتسم لها معزياً .. اطمئني أنا في راحة لامثيل لها.
هنا في هذه العبارات تبين الجانب النفسي للشخصيات ، عامر تحديداً وربما وردت نصيحة بين السطور تفضي إلى أننا علينا التخلص من العلاقات التي تقتات علينا وهي نصيحة جديرة بالإصغاء بالأخص لجيل المراهقين والشباب فالوحدة والسكينة أفضل من التآكل والاحتراق في صمت مهيب.
أما في الختام فقد اختتم الرواية بحضور بهي للأم التي لم تخل الرواية من لمساتها وحضورها المتألم المشغول بمصلحة ابنها ليعود الكاتب لمسرحة الرواية في مشهد يجمعهما بمحبة طاغية حيث تقول الأم:
لا بأس أن تحلم بيوم أغر مخجل دون أن تتعلق به ثم يدخل وصف المكان بشكل عميق : نظر إلى فسحة بين العمارات تبدت منها السماء إلى أقصى مداها، وقد علت أشعة الشمس الذهبية رؤوس الأبنية لترسم في الأفق خالص الزرقة مشهداً آسراً، فعب من النسيم المترقص حوله ، ثم قال ويده لاتزال تمسك بفنجان قهوته : سأبقى رغم كل شيء .. كل شيء.
ثم المفاجأة لتترك الفضاءات للقارئ جميها مفتوحة : أي «قذيفة أحدثت هذا الضجيج» وآلات هذه الجملة وارتباطاتها بمصير الشخصيات، بأحلامها، بمستقبلها، بفنجان قهوة ربما لم يشرب، ربما ترك بارداً لتبرد الأحلام معه، أم أنها نهاية لأزمة ولادة لحلم جديد بعد انهاك.
                           

العدد 1199 – 30 -7-2024     

آخر الأخبار
عبد الكافي كيال : صعوبات تعرقل إخماد حرائق جبل التركمان... واستنفار شامل دمشق تؤكد التزامها بإنهاء ملف الأسلحة الكيميائية.. حضور سوري لافت في لاهاي دمشق تنفي ما تداولته وسائل إعلام حول "تهديدات دبلوماسية" بحق لبنان من جديد .. محافظة دمشق تفعل لجان السكن البديل.. خطوات جديدة لتطبيق المرسوم 66 وتعويض أصحاب الحقوق رئيس مجلس مدينة كسب للثورة : البلدة  آمنة والمعبر لم يغلق إلا ساعة واحدة . إخماد حريقين في مشتى الحلو التهما  خمسة دونمات ونص من الأراضي الزراعية وزير الطوارئ :  نكسب الأرض تدريجياً في معركة إخماد الحرائق.. والغابات لم تُحسم بعد وفد من اتحاد الغرف التجارية وبورصات السلع التركي يلتقي الرئيس "الشرع" في دمشق الخضراء التي فتحت ذراعيها للسوريين.. إدلب خيار المهجرين الأول للعودة الآمنة باراك: لا تقدم في مفاوضات الحكومة السورية مع "قسد" و واشنطن تدعم دمجها سلمياً من  ألم النزوح إلى مسار التفوق العلمي..  عبد الرحمن عثمان خطّ اسمه في جامعات طب ألمانيا علما سوريا جيليك: نزع السلاح لا يقتصر على العراق.. يجب إنهاء وجود قسد  في سوريا رفع كفاءة الكوادر وتطوير الأداء الدعوي بالقنيطرة بين الصياغة والصرافة .. ازدواجية عمل محظورة وتلويح بالعقوبات نزهة الروح في ظلال الذاكرة.. السيران الدمشقي بنكهة الشاي على الحطب "تربية طرطوس": كامل الجاهزية لاستقبال امتحانات الشهادة الثانوية الغابات تحترق... والشعب يتّحد.. التفاف شعبي واسع لمواجهة حرائق الساحل وزير الطوارئ ومحافظ اللاذقية يستقبلان فرق مؤازرة من الحسكة والرقة ودير الزور سوريا تسعى لاستثمار اللحظة الراهنة وبناء شراكات استراتيجية تعكس تطلعات الشعب الاكتتاب على ١٢١ مقسماً جديداً في حسياء الصناعية