بعد تقديم توضيحي دام أكثر من نصف ساعة حول الأبحاث العلمية التي تقدم بشكل سنوي إلى الهيئة العليا للبحث العلمي، ورغم الجهود التي تبذلها الأخيرة في إظهار جهود الباحثين وأهمية الاقتصاد القائم على المعرفة والمكاسب التي تعود بالنفع العام على جميع أبناء الوطن وليس على الباحثين فحسب، فإن مفاجأة التحديات المعرفية التي استمع إليها الجميع عند افتتاح مؤتمر البحث العلمي للباحثين السوريين في الوطن والمغترب شكل صدمة قوية للمتابعين.
ونظراً للسؤال المتكرر لدى الكثيرين والإعلاميين خاصة: لماذا تقبع عشرات البحوث في الأدراج ولا تتم الاستفادة منها؟ نجد أن هناك تسلسلاً في تقديم المعرفة تواجهه عقبات لا تكون واضحة للأشخاص العاديين بقدر ما يلامسها المعنيون بالشأن البحثي، فإذا كان هناك مخرجات بحثية هامة تشكل 100% فإن وبحسب واقع التقييم لهذه الأبحاث سيكون هناك تفاؤل كبير إذا كانت 25% منها قابلة للتطبيق.
في الواقع خمس البحوث القابلة للتطبيق .. تكون قابلة للاستثمار أي 5% من أصل 25% وهذا ما يتم استثماره في غالبية دول العالم، إلى أن الأمر في سورية مختلف فهو أقل من ذلك بكثير وفقاً لما أكده تقرير الهيئة العليا للبحث العلمي، فإن الأبحاث التي يتم استثمارها أقل بكثير من الواحد بالمئة.
هذا يعني أن الاستفادة من المخرجات البحثية لا تصل إلى هذه النسبة رغم قلتها، وربما يعود جزء من السبب لعدم وجود مؤسسات داعمة ووسطاء لدعم الأبحاث القابلة للتطبيق، هذا من جهة، ومن جهة ثانية لابد من مراعاة الركائز الأربع لمواكبة الدول المتقدمة في مجال الاقتصاد القائم على المعرفة ألا وهي دعم الجهات المولدة للمعرفة وهي الجامعات والمراكز البحثية، وتعاون القطاعات الإنتاجية في استثمار وتبني هذه المعارف سواء كانت جهات حكومية أم خاصة ليتم نقل المعرفة من هذه الجهات إلى هذه الجهات، كما أنه لا بد من التنسيق بين هذه الجهات إذ لا يمكن الاستثمار بالبحث العلمي إلا بعد تأكيد موضوع الحماية للباحث وحقه في استثمار بحثه.
بشكل طبيعي لا تنتقل الأبحاث بشكل عشوائي فهي تحتاج إلى مؤسسات وسيطة وهذا ما عملت عليه الهيئة العليا للبحث العلمي من خلال خلق هذه المؤسسات ومن خلال المكتب الوطني لنقل التكنولوجيا، والمكاتب البحثية التي أحدثت في الجامعات ودوائر تطوير بحثية في الوزارات والتي جميعها تصب في خدمة دعم استثمار البحث العلمي ضمن عقود مسجلة ومحمية بتشريعات واضحة بين الجهات المعنية.
ورغم ما تقدم وما تسعى إليه الهيئة بجهود كبيرة لنقل المعرفة وتوطينها والاستفادة من الأبحاث القابلة للتطبيق هناك فجوة كبيرة جعلت الاستفادة من هذه الاستثمارات المعرفية لا تزال أقل من واحد بالمائة وربما يعود الأمر لعدم وجود رعاية مادية كافية من الجهات والقطاعات الخاصة التي تهتم بهذا الجانب التكنولوجي من الاستثمار، فقد كان هناك عشرات الآلاف من المدخلات البحثية خلال السنوات الماضية ولكن لم يتم الخروج إلا بنسبة قليلة منها نحو حيز التطبيق.