بعض النظريات السياسية تتحول إلى مشاريع تتبناها الدول الكبرى، وربما حققت نجاحات في مكان معين وإخفاقات في أماكن أخرى، ومنها نظرية أحجار الدومينو التي طرحها منظرون أميركيون في مطلع خمسينيات القرن الماضي في فترة حكم هاري ترومان ثم دوايت إيزنهاور ووزير خارجيته ذائع الصيت جون فرستر دالاس، والمنظر الأميركي جورج كينان، ومقتضى النظرية هو إذا سقطت دولة بيد الشيوعيين فإنها ستسقط الدولة التي بجانبها أو تحاددها، وكانت تلك الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة والمواجهة بين الاتحاد السوفييتي حامل النظرية الشيوعية والولايات المتحدة الأميركية حاملة الليبرالية، وعلى خلفية محاصرة المد الشيوعي سيطرت الولايات المتحدة، واحتلت بعض البلدان منها فيتنام الجنوبية وكوريا الجنوبية والعراق وأفغانستان، وبعض دول أميركا الجنوبية، وكان المثال الأبرز والمواجهة الأكثر سخونة هو الحرب الفيتنامية حيث سيطرت أميركا على فيتنام الجنوبية، ونصبت رئيساً وحكومة تابعة لها كان على رأسها نغوين فان ثيو، وعاصمتها سايغون، ودخلت في مواجهة وحرب مع فيتنام الشمالية التي يرأسها هوشي منه وعاصمتها هانوي، والتي سميت بعد انتصار الثورة الفيتنامية سنة 1975 هوشي منه تخليداً لرئيسها الراحل ومحقق الانتصار التاريخي على الولايات المتحدة الأميركية وعملائها في سايغون.
وبالعودة للعنوان يمكننا القول إن الثقافة السياسية الأميركية آنذاك كانت تعتقد وترى أن وجود نظام شيوعي في فيتنام الشمالية سيعني تمدده إلى دول الجوار، وهي فيتنام الجنوبية وكمبوديا ولاوس وتايلند ثم الفلبين وباقي الدول التي تجاورها، حيث ستتساقط تساقط أحجار الدومينو، وبالتالي تصبح تلك الدول شيوعية ولاسيما بوجود الصين والاتحاد السوفييتي لذلك لابد من احتلالها أو إسقاط نظامها، وتنصيب نظام موال للأميركيين والغرب، وهو ما حصل أيضاً في العراق عند احتلاله، حيث كانت الفكرة أن سقوط النظام في العراق سيتبعه سقوط النظام السياسي في سورية وباقي الدول المحيطة الأخرى، وهذا ما لم يحصل بفعل الصمود السوري الذي أسقط تلك الفكرة.
وعلى خلفية تلك الفكرة وبعد هزيمة فرنسا في فيتنام بعد معركة ديان بيان فو وبطلها الجنرال جياب بدأت الولايات المتحدة الأميركية بالتدخل في فيتنام عبر إرسال المستشارين والخبراء والأسلحة إلى أن انخرطت وتورطت بالحرب مباشرة ولاسيما في عهد الرئيس ليندون جونسون، ومن ثم ريتشارد نيكسون إلى أن انتهت الحرب بهزيمة أميركية مذلة وسقوط نظام سايغون العميل وهروب رئيسه فان ثيو في طوافة أميركية ودخول قوات الفيتكونغ وهي مقاومة شعبية العاصمة سايغون سنة 1975 وتوحيد شطري فيتنام تحت مسمى جمهورية فيتنام الديمقراطية وعاصمتها هوشي منه.
والفكرة هنا عبر إسقاطاتها على ما يجري في غزة هي سياسة التوريط التي دفع ثمنها الأميركي في فيتنام، حيث تورط في حرب استنزفت أميركا، وخرجت منها خاسرة في حين استفاد من التورط الأميركي عدوا أميركا الاتحاد السوفييتي والصين الشعبية، وهنا يطرح السؤال على الساسة الأميركيين هو ستجركم إسرائيل إلى تورط في حرب غزة ومحاولة توسيعها، وهنا سيكون المستفيد من هذا التورط إن حصل كل من روسيا والصين اللتين تعيشان حالة منافسة وصراع مع الأميركي في ظل مرتسمات ملامح نظام دولي جديد، وكذلك هل سيأخذ ساكن البيت الأبيض ما ذهبت إليه مطابخ السياسة الأميركية في نقد للحروب التي خاضتها أميركا في كل من أفغانستان والعراق بأنها حروب عبثية خاضتها أميركا وخسرتها، واستفادت منها كل من الصين وروسيا لتصبحا القوتين الأساسيتين عسكرياً واقتصادياً في مواجهة أميركا ؟
ترى وفي ظل ما يجري في المنطقة وسعي نتنياهو وفريقه الإجرامي إلى توسيع دائرة الصراع لتشمل لبنان وغيره والسعي لتوريط أميركا في رمال الشرق الأوسط هل سيدرك الأميركي خطورة ذلك المنزلق ويعيد إنتاج أخطائه في فيتنام والعراق وأفغانستان، ويثبت ما قاله رئيس وزراء بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية ونستون تشرشل:إن أميركا تجرب كل القرارات الخاطئة حتى تتخذ القرار الصحيح.

السابق
التالي