لا يمكن لي أن أنسى ذلك الوجه الذي رافقني في الكلية الجامعية عدة سنوات دون أن نتحادث أو نتبادل التحيات مهما التقت عيوننا في ساحات الكلية أو داخل أروقتها.
ذلك الشاب الممتلئ نشاطاً وحيوية يتحرك بخفة طائر متنقلاً بين بضع طالبات لم يكن يفارقهن، كما أنهن يتجمعن حوله ويعلو صراخهن وصراخه وتجلجل الضحكات في المكان وتملؤه فرحاً وسعادة.
مرت السنون وظل طيفه حاضراً يستحضر أشكال زميلاته الطالبات اللاتي يحملن صفات متباينة تستحق كل واحدة منهن عليها لقباً خاصاً يشبه إحدى فتيات أفلام الكارتون في ذلك الزمن, فإحداهن لينا، وأخرى ساندي بيل، وغيرها فلونا، والأخيرة ساسوكي الولد المشاكس الذي يعتصم بمجموعة من الأساور في كلتا يديه، فكانت زميلته الجميلة صاحبة اللقب الساسوكي قصيرة القامة تتقافز مثله ليعرفها جميع طلاب الكلية باسم ساسوكي.. والحقيقة أننا كنا نغبطه ونغار منه وهو يجمع كل الجميلات ويتحركون بذلك النشاط والود وهو يوزع عليهن السندويشات وقطع الحلوى والشوكولا وغيرها بما يثير مشاعر الكثير من الطلبة.. رأيته منذ عدة أشهر في شارع وسط العاصمة وقد أزرى به الدهر، يجر قدميه ويحمل حقيبة بالية ويرتدي أسمالاً عفا عليها الزمن، ويرسل نظراته في البعيد دون أن يشعر بمن حوله، هممت بالاقتراب منه وسؤاله عن حاله، وإن كان يذكر شكلي، لكنني تراجعت سريعاً وفي قلبي حزن وأسى شديدين لم أعرف مبعثهما تجاه طالب لم يكن من معارفي، لكنه كان يمثل حالة حاضرة وفاعلة في فترة الشباب، يغدو ويروح ويوزع الفرح حيث يتواجد دون بحث عن معارف أو أصدقاء، في فترة تصبغ حياة الإنسان وتحدد مستقبله، ولكن يبدو أن ذلك التحديد المنشود لم يتحقق، ليترك في نفسي غصة لشخص عرفته وما كلمته ولا كلمني.