الثورة – عبد الحميد غانم:
شكلت السياسات الخارجية الأميركية في العالم حاملاً لممارسات الولايات المتحدة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول وخيارات الشعوب والأمم السيادية في إطار مخططاتها لفرض هيمنتها وسيطرتها السياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافية على العالم ومحاولة الانفراد بمصيره ومستقبله.
ومن تلك الأدوات التي استخدمتها وتستخدمها الولايات المتحدة ضمن هذه المخططات هي “الصندوق الوطني للديمقراطية (NED)”، هذا الصندوق الذي طرحته أميركا بغطاء إنساني واجتماعي، لكن في حقيقته، فإنه يعمل بمثابة “القفازات البيضاء” لحكومة الولايات المتحدة.
فقد انخرط لفترة طويلة في تقويض سلطات الحكومات الوطنية للدول، والتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، والتحريض على الانقسام والمواجهة، وتضليل الرأي العام، والقيام بالتسلل الإيديولوجي، وكل هذا بحجة تعزيز الديمقراطية.
لقد تسببت أفعالها الشريرة التي لا تعد ولا تحصى في أضرار جسيمة وأثارت إدانات شديدة من المجتمع الدولي.
في السنوات الأخيرة، واصل الصندوق الوطني للديمقراطية تغيير تكتيكاته وذهب إلى أبعد من ذلك في العمل ضد الاتجاه التاريخي للسلام والتنمية والتعاون المربح للجانبين.
لقد أصبح أكثر شهرة بسبب محاولات التسلل والتخريب ضد الدول الأخرى.
ومن الضروري كشف قناع (NED) وتنبيه جميع البلدان إلى حقيقته وغاياته الخبيثة وضرورة تنبيه العالم من خطره وشعارات الحق التي يراد بها الباطل، والاحتراس من محاولات التعطيل والتخريب والتصدي لها، وحماية السيادة الوطنية ومصالح الدول الأمنية والتنموية، ودعم السلام والتنمية في العالم والعدالة الدولية.
“القفازات البيضاء”
يدعي ((NED أنه منظمة غير حكومية تقدم الدعم للديمقراطية في الخارج، لكن في الواقع، إنه بمثابة “القفازات البيضاء” لحكومة الولايات المتحدة في تنفيذ أعمال التخريب والتسلل والتخريب في جميع أنحاء العالم.
حيث يقوم هذا الصندوق تحت هذا الغطاء بتنفيذ العمليات السرية لوكالة المخابرات المركزية. ففي الأيام الأولى للحرب الباردة، دعمت وكالة المخابرات المركزية ممارسات التخريب في البلدان الاشتراكية في أوروبا الشرقية.
وبعد الكشف عن مثل هذه الممارسات في منتصف وأواخر الستينيات، بدأت حكومة الولايات المتحدة تفكر في التعاون مع منظمات المجتمع المدني للقيام بأنشطة مماثلة. ومن هنا جاءت فكرة إنشاء منظمة من هذا النوع. وكما كتب ويليام بلوم، وهو باحث أمريكي: “كانت الفكرة هي أن يقوم (NED) بشكل علني إلى حد ما بما كانت وكالة المخابرات المركزية تفعله سراً لعقود من الزمن، ما شكل وصمة عار للممارسات السرية لوكالة المخابرات المركزية.
الصندوق الوطني للديمقراطية، الذي يتلقى الأوامر مباشرة من الحكومة الأمريكية ويتلاعب بالمنظمات غير الحكومية من خلال توفير التمويل بهدف القيام بأعمال هدم وتسلل وتخريب لخدمة المصالح الاستراتيجية الأمريكية، هو في الواقع “وكالة الاستخبارات المركزية الثانية” للولايات المتحدة.
كما يعمل هذا الصندوق ضمن إطار سياساته إلى التحريض على “ثورات ملونة” لهدم الحكومات الشرعية في الدول.
فبعد الحرب العالمية الثانية، فتحت الولايات المتحدة جبهة سرية ضد الاتحاد السوفييتي من خلال وكالة الاستخبارات المركزية وغيرها من أجهزة الاستخبارات.
وبحلول الستينيات، أدركت الولايات المتحدة تدريجياً أن ما سمي بـ “تعزيز الديمقراطية” بالوسائل السرية وحدها بعيد عن أن يكون كافياً. وهناك حاجة ملحة إلى إنشاء “آلية بين القطاعين العام والخاص” لتوفير التمويل بشكل علني. لذلك عملت في عام 1983 وبجهود الرئيس الأمريكي آنذاك وبعض الأشخاص الآخرين، تم تأسيس الصندوق الوطني للديمقراطية كمؤسسة غير ربحية من الحزبين.
فالصندوق الوطني للديمقراطية هو أسمياً منظمة غير حكومية تقدم الدعم للديمقراطية في الخارج، لكنه في الواقع يعتمد على الدعم المالي المستمر من البيت الأبيض والكونغرس الأمريكي، ويتلقى أوامر من الحكومة الأمريكية.
في وقت مبكر من عام 1991، قال مؤسس الصندوق الوطني للديمقراطية آلان وينشتاين بصراحة في مقابلة أجرتها معه صحيفة ((واشنطن بوست)) إن الكثير مما كانوا يفعلونه هو ما فعلته وكالة الاستخبارات المركزية قبل 25 عاماً.. لذلك عُرف الصندوق الوطني للديمقراطية عالمياً باسم “وكالة الاستخبارات المركزية الثانية”.
إن للصندوق تاريخاً طويلاً في التحريض على الثورات الملونة ضد البلدان “المعادية”. فقد كشفت وثائق مبكرة للصندوق الوطني للديمقراطية عن أنشطة قام بها الصندوق بشكل رئيسي في أوروبا الشرقية لهدم سلطة الدولة في وقت مبكر من أواخر الثمانينيات.
كما كان عاملاً تمكينياً مهماً وراء ما سمي بـ “الربيع العربي”.
ففي مصر واليمن والأردن والجزائر وسورية وليبيا ودول أخرى، قدم الصندوق الوطني للديمقراطية دعماً مالياً لأفراد وجماعات متورطة وداعمة لمخططات أمريكا من خلال دعم أنشطة تدعي مناصرة المرأة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان.
وقام بتصدير أنواع مختلفة من الأفكار المناهضة للحكومات، وحرَّض على ثورات ملونة، وأغرق الوطن العربي في حروب واضطرابات اجتماعية وركود اقتصادي.
وعمل الصندوق على زرع قوى مناهضة للحكومة وتمويل قوى انفصالية، فقد تواطأ مع الجماعات الانفصالية المحلية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
وتشمل جهوده التسلل إلى البلدان المستهدفة، وزرع قوى محلية مناهضة للحكومة، وإذكاء التوترات الاجتماعية.
– التدخل في الشؤون الداخلية للصين..
وللتدخل في الشؤون الداخلية للصين، عمل الصندوق جاهداً للتدخل في انتخابات هونغ كونغ.
فقد اتصل بأحزاب المعارضة والجماعات والمنظمات الانفصالية في هونغ كونغ.
فقد ذكر الموقع الإلكتروني للصندوق الوطني للديمقراطية أنه قد تم إنفاق مليوني دولار أمريكي على 11 مشروعاً متعلقاً بهونغ كونغ في عام 2020، مع التركيز بشكل خاص على عرقلة انتخابات المجلس التشريعي لهونغ كونغ.
– التحريض على نزعة الانفصال..
ولطالما كانت الصين هدفاً رئيسياً لأنشطة التسلل والتخريب التي يقوم بها الصندوق. فالصندوق الوطني للديمقراطية يستثمر بكثافة في البرامج المناهضة للصين كل عام ويحاول التحريض على نزعة الانفصال في شينجيانغ وهونغ كونغ والتبت.
وفقاً للبيانات الصادرة على موقعه على الإنترنت في عام 2020، قدم الصندوق الوطني للديمقراطية أكثر من 10 ملايين دولار من المنح لـ69 برنامجاً متعلقاً بالصين في غضون عام واحد، بهدف تنفيذ أنشطة مختلفة تقوض الاستقرار السياسي والاجتماعي للصين.
إنه المصدر الرئيسي لتمويل مختلف منظمات “انفصال شينجيانغ”. ويقول الصندوق الوطني للديمقراطية أنه قدم منحاً بقيمة 8.7583 مليون دولار لمختلف “منظمات الويغور” بين عامي 2004 و2020. كما عمل الصندوق على دعم قوى “انفصال التبت”.
وتركِّز برامجه المتعلقة بالتبت على تقوية القوى الانفصالية المحلية وتضخيم مسألة التبت دولياً.
في عام 2019، قدم الصندوق الوطني للديمقراطية 600 ألف دولار للبرامج المتعلقة بالتبت.
وعلى الأخص، يقدم الصندوق الوطني للديمقراطية دعماً كاملا لـ”انفصال هونغ كونغ”.
ونفذ منذ فترة طويلة مشاريع بشأن ما يسمى بـ”حقوق العمال” و”الإصلاح السياسي” و”مراقبة حقوق الإنسان” في هونغ كونغ، وكان وراء جميع المظاهرات التي خرجت إلى الشوارع هناك تقريباً.
منذ عام 2003، قام الصندوق الوطني للديمقراطية سراً بتنظيم وتخطيط وتوجيه وتمويل العديد من حركات الانفصال واسعة النطاق في هونغ كونغ، بما في ذلك حركة “احتلوا وسط هونغ كونغ” غير القانونية والمظاهرات العنيفة حول التعديلات التشريعية المقترحة.
وفي أيلول 2019، جنّد الصندوق الوطني للديمقراطية عناصر مناهضة للصين في هونغ كونغ للانضمام إلى مجلس إدارة “مجلس الديمقراطية في هونغ كونغ” ومقره واشنطن.
وفي عام 2019، استثمر حوالي 640 ألف دولار في مشروعات في هونغ كونغ، بهدف تشويه سمعة الصين من خلال إثارة قضايا حقوق الإنسان.
كما يقوم الصندوق بنشر معلومات مضللة والقيام بنشر خطاب استفزازي لإثارة مشاعر مناهضة لحكومات الدول بين شعوبها.
ودأب الصندوق على نشر “الفيروس السياسي” وتسييس تتبع أصول كوفيد-19، فضلاً عن تأجيج التوترات وتضخيم مفهوم “القوة الحادة”، من أجل تأجيج المشاعر المعادية للصين والآسيويين في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.
ومن أجل تحقيق التسلل الأيديولوجي، أنشأ الصندوق أشكالاً مختلفة تحت مسميات “جوائز الديمقراطية” لتشجيع الانفصاليين في البلدان الأخرى من أجل مساعدة الولايات المتحدة على اختراق تلك الدول.