الثورة – غصون سليمان:
حين يسمو الهدف، وترتقي الأفكار.. تتشابك السواعد، وحين تتآزر القوى المجتمعية الفاعلة على الأرض يكون للإنجاز طعم مختلف أكان صغيراً أم كبيراً..
ولأن مؤسسة “موج التنموية” زرعت بذور عملها الإيجابية في مساحات البيئة المحيطة ووصلت شرايين التواصل على جغرافيا واسعة من أرض الوطن، كان بنكهة الثمار حلاوة الرضا في نفوس الأهالي، وقد أضفى المشهد مساء يوم السبت العاشر من الشهر الحالي على مدينة النبك حلة من جمال، وحالة تفاعلية اجتماعية رائعة بأبعادها المدنية والثقافية والإنسانية من خلال مشروع “توازن” الذي ينهض بواقع النساء عبر تمكينهن اقتصادياً ودعمهن نفسياً ومادياً ومعرفياً.
بدأت فكرة “توازن”- حسب رأي منسقة المشروع رهف غنيمة، من أن الدراجة الهوائية بحاجة إلى توازن، وانطلاقاً من ذلك عملت مؤسسة موج على تدريب النساء والشابات لتسهيل الوصول إلى عملهن وجامعاتهن من دون تكلفة، وبالتالي فلا الحياة ولا الدراجة تتوازن من دون النساء، من هنا كان شعار المسير: “مابتتوازن بدونك” لمدة عامين من المسير ٢٠٢١- ٢٠٢٣، وفي هذا العام أضيفت شريحة ذوي الإعاقة من شابات وشبان فزاد الشعار “الرياضة حق للجميع” ودمج الشعاران على التيشرتات البيضاء.
غنيمة أفصحت أن هناك رغبة من المجتمع المحلي لإدماج ذوي الإعاقة في هكذا نشاط وتدريبهم على ركوب الدراجة الهوائية وكان لهم ما أرادوا.
تقضي الحاجة
وتابعت منسقة المشروع حديثها بالقول: إن هدف استكمال فكرة المسير على الدراجة الهوائية هو مساعدة العديد من الشباب والشابات والأكثر حاجة ممن يعملون ضمن المنطقة بصفة “مرسلون” أي يقومون بمهمة إيصال الحاجيات والأغراض الضرورية حسب الطلب إلى المنازل مقابل أجر مادي، منوهة بأنه تم تدريب عشرين سيدة في المرحلة الأولى مع منح ١٨ دراجة هوائية، وتدريب سبع عشرة في المرحلة الثانية ومنح عشر دراجات أخرى، كما تم منح دراجات للفئات الأكثر هشاشة هذا العام، خمسة للشابات وخمسة لذوي الإعاقة بعد إجراء استبيان، حمل صيغة التساؤل.. لماذا تستخدم الدراجة الهوائية، هل أنت معيل للأسرة وتقوم بمساعدتها؟
تفاعل إيجابي بالتدريج
وعن دور المجتمع المحلي ومدى تفاعله مع هذه التظاهرة أكدت غنيمة أن هناك حالة من الارتياح أخذت تظهر شيئاً فشيئاً لما تقوم به المؤسسة، فهي حريصة على إضافة لبنة جديدة في كل نشاط وسلوك حتى تتبلور الفكرة بكل أبعادها، ولطالما نعيش في منطقة ريفية مازالت بكراً لاشك أنها تحتاج إلى بعض الوقت لتصبح الفكرة مستساغة لناحية ركوب الدراجة الهوائية وفق الأعمار المختلفة.
فنحن حاربنا وواجهنا- والقول للمنسقة غنيمة- فكرة الأساطير القائمة على أن ركوب الدراجة الهوائية سوف يؤثر على صحة النساء بشكل سلبي، وتغلبنا على هذا التصور الخاطئ من خلال حملات التوعية التي قام بها أطباء متخصصون، موضحين بطريقة علمية أهمية الرياضة لصحة النساء جسدياً وفكرياً، مبددين بذلك تشوهات القصص المتناقلة هنا وهناك عبر السوشيال ميديا.
وأشارت منسقة المشروع في هذا السياق إلى أن موج رصدت حاجات الطلاب ضمن المجتمع المحلي، ليس فقط بمدينة النبك، وإنما في ريف دمشق وقارة ويبرود والقلمون، لناحية التدريب والتأهيل حيث فرق مؤسسة موج الذي يضم ٣٠ شخصاً يمتد إلى مدينة السلمية وحمص وطرطوس واللاذقية وغيرها من المحافظات.
وفي سياق الحديث مع السيدة غنيمة- لا تنفي وجود بعض التحديات في بيئة ريفية مازالت بكراً، كما ذكر آنفاً، وتحتاج لوقت كي تألف حيوية هذه الأفكار وممارسة المرأة لدورها في الحياة العامة، بدءاً من أسرتها الصغيرة مروراً بمؤسسات المجتمع، مع ملاحظة أن هناك من يحفز ويدعم ويؤيد ما نقوم به، وهناك من هو متعصب لأفكاره المسبقة، لذلك يجري العمل بهدوء خطوة بخطوة للوصول إلى الهدف المنشود والقواعد التي تعمل عل تحقيقها مؤسسة موج.
قيم إنسانية نبيلة
اختصاصي الجراحة العصبية ومدير البرامج بمؤسسة موج التنموية الدكتور عمار الخطيب أشار إلى أن المؤسسة تعمل على برنامج
استراتيجي هدفه تعزيز مشاركة المرأة بالحياة العامة وتعزيز دورها الأساسي لتتوازن الحياة، ومن هنا كان الربط ما بين التوازن بالحياة والمجتمع من خلال السلوك وتحمل المسؤولية، فالمرأة قادرة على ركوب الدراجة وقد خبرت الحياة بصعوباتها المختلفة وتفوقت على ذاتها في كثير من المطارح، إذا ما توفرت لها البيئة المناسبة والدعم اللازم، وهذا ما تعمل عليه قوانين مؤسسة موج في معادلة التوازن.
فمن وجهة نظر الدكتور الخطيب أنه لا المجتمع ولا الحياة قادرين على التوازن من دون النساء، وإن كان هناك من صعوبات تواجه طموحهم في تحقيق أهداف المؤسسة، عبر الخطيب بالقول: إن موج تعمل ضمن قيم إنسانية رفيعة أساسها قيمة الإنسان وفق معايير وأخلاقيات تساهم في زرع بذور الخير في حقل المفاهيم الإنسانية وتعزيز قدرات الجميع من دون إقصاء أي فئة من فئات المجتمع.
ولطالما المرأة هي المدرسة الأساس في بناء المجتمع كان التركيز عل ضرورة تعزيز دورها في عملية التنمية التي تأخذ أشكالا مختلفة.
الدكتور الخطيب أكد على متابعة جميع الفئات من خلال تأثير برامج موج على المجتمع المحلي، وبشكل أساسي مشروع توازن القائم على فن ركوب الدراجة الهوائية الأقل ضرراً والأكثر فائدة، إذا ما قدم لهن التدريب والتأهيل وحسن المعاملة والتدبير بغية توظيف الهدف بشكل صحيح لناحية الدعم الاقتصادي، الذي يوفر ويخفف على الأقل أجور المواصلات باستخدام الدراجة الهوائية، ناهيك عن اختصار الوقت والشعور بمتعة العمل.
مدير البرامج لا ينفي تحدي المجتمع ونظرته السلبية إلى حد ما، حين يرمق سلباً إقبال النساء على ركوب الدراجة الهوائية، ومن أجل ذلك يشير إلى أن العمل يقوم على شقين متوازيين هما، استثمار السوشيل ميديا عبر صفحات “موج”، وخاصة “الضمة الوردية” وهي حملة وعي لمناصرة النساء واطلاعهن بأهمية ركوب الدراجة الهوائية، والأمر الآخر هو محاربة الأساطير التي تقول: إن ركوب الدراجة الهوائية يؤثر على صحة النساء.
وبالتالي لدى المؤسسة فريق طبي متخصص يعمل على التوعية بمفاهيم الصحة الجنسية والإنجابية، لافتاً إلى أن المجتمع حين يرى هذا الكم من الأشخاص ذكوراً وإناثاً على نطاق المحافظات يركبون الدراجات الهوائية، وأنها ومنتشرة بهذه الأعداد العالية الأمر الذي يسرع عملية تقبل المجتمع لهذا اللون من الرياضة.
وأضاف: إن مؤسسة موج تؤمن بمشاركة كل فئات المجتمع من قطاع عام وخاص ومدني، ولا يمكن أن ينجح العمل من دون مشاركة القطاعات المذكورة مع بعضها البعض، والقطاع الخاص داعم من ناحية الموارد وشريك أساسي في إحداث التغيير نحو الأفضل، والجميع بالمقابل تحت عباءة القطاع العام الذي يدعم ويسهل جميع الإجراءات المطلوبة.
الدكتور الخطيب الذي يمتلك شغف العمل بدرجة عالية من الدينامية والحضور والمتابعة مع فريق المؤسسة، أكد على أهمية بناء الثقة التراكمية على مدى السنوات الماضية من بدء الانطلاقة، لطالما تغيير السلوك هو أصعب أنواع التغييرات حسب رأيه.
شغف شنور- طالبة صيدلة وخطاطة مشاركة بالمسير، عبرت عن سرورها بهذا الحدث لطالما أهميته تنبع من تسليط الضوء على دور النساء السوريات كسيدات بالمجتمع، فقد جمع المسير مختلف الأعمار وفئات المجتمع بمكان واحد، وأنه لا فرق بينهم جميعاً، وهي الصورة الذهنية الأجمل للمجتمع المحلي.
شركاء الإنجاز
نفذت مؤسسة مَوج التنموية نشاطها المذكور بالتعاون مع الاتحاد العربي السوري للدراجات، والاتحاد الرياضي العام، وشركاء من الفعاليات الاقتصادية والمؤسسات التعليمية مثل جامعة القلمون والجامعة الافتراضية، وانطلق مسير الدراجات الهوائية ضمن مدينة النبك “ما بتتوازن بدونِك” للمرة الثانية بهدف تشجيع الشابات على قيادة الدراجة الهوائية ضمن شوارع المدينة.. وذلك بمشاركة عدد من المؤسسات الرسمية والفرق التطوعية الرياضية.. وضم المسير ٢٧٠ شاباً وشابة من مدن ومحافظات سورية مختلفة ومن فئات عمرية متنوعة.
مبادئ العمل
أخيراً.. يذكر أن مؤسسة موج التنموية عملت كمبادرة إعلام تنموي منذ العام ٢٠١٤ وأشهرت قانونياً في عشرين حزيران ٢٠٢٠ وفق أربعة برامج رئيسة، تقوم على دعم التعددية والتماسك المجتمعي، تعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة، تبني وإنتاج إعلام حساس للنوع الاجتماعي، واستدامة الموارد المتاحة، ويندرج ضمن كل برنامج مجموعة من المشاريع وفق الاحتياجات المطلوبة.