الثورة – ريف دمشق – تحقيق راغب العطيه:
لأنه أساس الحياة ولا تستقيم حياة الإنسان دونه.. فقد أخذ موضوع الماء وتأمينه في الأسبوعين الماضيين جل اهتمامات أهالي حرستا بريف دمشق بجميع أحيائها، وأصبح حديث الناس في كل مكان بسبب الانقطاعات الطويلة والمتكررة، والتي وصلت في بعض الأحيان إلى 12 يوماً انقطاع كـ(حي البستان)، والمفارقة أن هذا الحي يحاذي وحدة مياه حرستا بشكل مباشر.
وقد ترافقت قلة مياه الشرب في حرستا- والتي تحصل عادة في جميع مناطق دمشق وريفها بمثل هذه الفترة من السنة- ترافقت مع تسرب مياه الصرف الصحي إلى أنابيب مياه الشرب، بالرغم من التشكيك من جانب البعض، الأمر الذي دفع المؤسسة العامة للمياه إلى إيقاف الضخ إلى معظم الأحياء بما فيها الأحياء البعيدة عن أماكن التلوث، ما فاقم المشكلة في عموم مدينة حرستا، ودفع الأهالي تحت ضغط الحاجة الماسة للماء إلى تعبئة المياه غير الصالحة للشرب من الصهاريج والسيارات الجوالة التي تجلب المياه من الآبار الزراعية والغطاسات الموجودة في المنطقة وبأسعار مرتفعة جداً.
وتحت مطالبة العديد من المواطنين استجابت صحيفة الثورة وعملت على الوقوف على حيثيات هذه المشكلة العامة، وتجولت في معظم الأحياء وتحدثت مع الأهالي هناك.
بحاجة لجهود مضاعفة
وكانت البداية يوم 12 الشهر في حي الثغرة حيث التقت “الثورة” عدداً من المواطنين تحدثوا عن معاناتهم في تأمين المياه الصالحة للشرب لمنازلهم وعوائلهم، وخاصة أن الفصل صيف ودرجات الحرارة مرتفعة، وقال أبو إياد إن مشكلة قلة المياه قائمة منذ فترة غير قصيرة، ولكنها تفاقمت في الأيام الأخيرة نتيجة عدم اكتراث القائمين على العمل حسب قوله، مؤكداً أن الأهالي هم من اكتشف تلوث مياه الشرب بالصرف الصحي في البداية وذلك منذ أسبوع تقريبا وأخبروا وحدة المياه والبلدية اللتين لم تتحركا بالشكل المطلوب منذ البداية ما فاقم المشكلة بكل الأحياء، كما تم نشر الموضوع على صفحات التواصل الاجتماعي لتنبيه الأهالي لأخذ الحيطة والحذر.
بدوره أبو تحسين- أشار إلى أن حالات تلوث المياه بالصرف الصحي ناتجة عن الحفريات العشوائية التي يقوم بها البعض من دون علم وحدة المياه ولا البلدية، لافتاً إلى أن رئيسة وحدة المياه في حرستا غير قادرة على التفرغ للعمل في هذه المنطقة، وبحاجة إلى جهود مضاعفة لتوفير الخدمات للأهالي الذين أصبحوا يعودون بوتائر عالية إلى منازلهم التي هجرتهم منها التنظيمات الإرهابية، وتوفير المياه- أهم هذه الخدمات على الإطلاق، وذلك لأنها تدير ثلاث وحدات مياه في نفس الوقت، منها وحدة حرستا إلى جانب وحدتي الضاحية وعدرا، الأمر الذي ينعكس سلباً على الخدمات التي تقدمها الوحدة لمدينة حرستا.
الحل بمشروع مياه الجبل
في حين بين أبو نورس أن هناك مشروع مياه الجبل الذي تم العمل به في تسعينيات القرن الماضي لمصلحة حرستا وعربين، والذي لو استثمر لسد كل النقص الحاصل في المياه بحرستا وعربين وما حولهما، مؤكداً أن نوعية المياه في هذا المشروع تضاهي مياه عين الفيجة بجودتها، ويتكون هذا المشروع من 11 بئراً بغزارة 200 متر مكعب في الساعة، تستخدم منها ضاحية الأسد بحرستا بئرين، كما يوجد خزان تخزيني كبير جداً بالمشروع بسعة 10 آلاف متر مكعب يكفي لتعبئة خزان حرستا عشر مرات، وخزان عربين كذلك عشر مرات، وبالراحة والسيلان بدون مضخات، ولا يحتاج سوى استبدال خط الأنابيب القديم بخط جديد.
وقال حسان حسون- صاحب مكتب ويقطن بمنتصف شارع الثغرة: إنه وبعد حضور ورشة الصيانة إلى موقع التلوث وتسليك المجاري بواسطة صهريج الصرف الصحي (الصاروخ) وضخ المياه من الوحدة في الأنابيب أصبحت المياه نظيفة نوعاً ما، إلا أنه لم يكن مطمئناً لجهة استخدامها للشرب حالياً.
فيما قال أبو حسان- صاحب محل خضار وفواكه بشارع معمل الصابون: هناك فوضى في ضخ المياه ولا يوجد انتظام بهذا الأمر خاصة وأن الكهرباء لا تأتي إلا قليلاً جداً، مؤكداً أن المياه لم تأتي في هذا الشارع منذ أكثر من أسبوع.
تشكيك برواية التلوث
من المواطنين من شكك برواية التلوث برمتها، واعتبروها لعبة من قبل البعض لإيهام الناس بأن هناك مشكلة، ليسكتون عن قطع المياه عنهم وبالتالي تحويل الضخ إلى أماكن أخرى خارج التجمع، وأكدوا أنه دائماً في فصل الصيف وموسم المسابح والمزارع تحصل هذه الانقطاعات والاختناقات القاسية.
أبو حسن- من سكان حي كرم الطلعة، أكد أنه لم تصلهم المياه من الشبكة الرئيسية منذ أن عاد الأهالي إلى منازلهم في هذا الحي، مشيراً إلى وجود بئر لمؤسسة المياه في نفس المكان، إلا أنه لم يؤد الغرض المطلوب بسبب عدم توفر الكهرباء التي لم تأت إلا قليلاً باليوم.
وشدد أبو صطيف كماشة أن مياه الفيجة لم تصل حيهم نهائياً منذ سنتين، وأن اعتمادهم الكلي على “الغطاسات” المنتشرة في الحي، وكل “غطاسة” تغذي عددا من المنازل بالمياه للاستخدام المنزلي، أما ماء الشرب فيتم شراؤه بالبدونات من البائعين.
وفي محيط جامع المحاسنة أكد أبو محمد طرابلسي أن المياه لم تصلهم منذ خمسة أيام وأنه قام بتعبئة خزانين سعة كل واحد خمسة براميل بمبلغ 45,000 لكل خزان من الصهاريج الجوالة، وبالنسبة لماء الشرب يشتريه “بالبدون” من البائعين كل 10 ليترات بألف ليرة.
وقال أبو شادي من حارة صالة التعازي: إنهم عانوا الأمرين نتيجة الانقطاع الطويل للمياه عن حارتهم والحارات المجاورة، مع العلم أنه لا يوجد في حارتهم أي تلوث أو تسرب لمياه الصرف الصحي إلى أنابيب مياه الشرب.
الخط مفصول منذ سنتين
أما أهالي حارة البيدر الشمالي فمشكلتهم من نوع آخر بحسب ما يروي المواطن محمد الجبه جي: إن وحدة المياه قد فصلت خط الحارة من إحدى الجهات منذ سنتين على أن توصله من الجهة المقابلة، إلا أنها إلى يومنا هذا لم يتم الوصل، مبيناً في الوقت نفسه أن ورشة من وحدة المياه منذ نحو خمسة أشهر حضرت برئاسة رئيسة الوحدة المهندسة ليندا إبراهيم إلى بداية الخط المفصول وحفروا بالمكان حفرة وطالبوا أهل الحارة بشراء سكر قياس كبير للخط الرئيسي قيمته 3 ملايين ليرة ليقوموا بتركيبه للخط، ولعدم إمكانية الأهالي تأمين المبلغ المذكور ردموا الحفرة وعادوا أدراجهم إلى الوحدة.
وأوضح سكان البيدر الشمالي أنهم يعتمدون على مياه “غطاسة” مدرسة البيدر غير الصالحة للشرب، وأنهم في أغلب الأوقات يضطرون إلى تعبئة المياه من الصهاريج الجوالة، البرميل بقيمة 8000 ليرة وهي مياه غير صالحة للشرب، وذلك لكثرة أعطال “الغطاسة”، بينما مياه الشرب يجلبونها بالبدونات من الأماكن التي تصل إليها مياه الفيجة.
وأكد أبو خالد من سكان حي دوار الثانوية، أن مياه الشبكة الرئيسية لا تأتي سوى يومي الأحد والخميس وثلاث ساعات فقط باليوم، وضغطها ضعيف جداً ولا يمكن أن تصل إلى الطابق الأول وما فوقه، مشيراً إلى أنه هناك البعض فيما بعد الدوار يستخدمون مياه الشبكة للزراعة.
في حين قال أبو محمد: إن المياه في حيهم لم تصل الطابق الثاني والثالث، حتى وإن استخدمت “الماتور” لرفعها، وإنه دائماً يؤمن حاجته من المياه عن طريق التعبئة من الصهاريج وبقية الأهالي كذلك، ما عدا أصحاب الطابق الأرضي.
مطالبات دون جدوى
أبو عدنان محمد حسن من حي صلاح الدين قال: كل اعتمادنا على “الغطاسات” لأن المياه لا تأتي بالأسبوع سوى مرة واحدة وضعيفة جداً، ولا يمكن رفعها إلى الطابق الثاني أو الثالث حتى بواسطة “ماتور” الماء، وأشار أبو محمود صاحب محل معجنات في حي الجورة إلى أن مياه الفيجة لم تصل حيهم نهائياً، علماً أنهم طالبوا كثيرا من اجل تزويدهم بمياه الشبكة الرئيسية، وان اعتمادهم بشكل كلي على مياه “غطاسة” المؤسسة عندما تكون الكهرباء موصولة، والنقص يتم تأمينه بالشراء من الصهاريج.
وفي حي صمصم أوضح أيمن صاحب مكتب عقاري أنه يوجد بئران للمؤسسة يغذيان قسماً من الحي بالمياه، والقسم الآخر يتغذى من الشبكة الرئيسية ويصله الماء يومي الاثنين والخميس، وقال: إن الخط الموجود بالقسم الذي يتغذى من “الغطاسات” عاطل وأنهم طالبوا بإصلاحه عشرات المرات لكن دون جدوى، بينما أكد محمد حلاوة من سكان منطقه الخامس أن لديهم كفاية بالمياه، وإن مياه الشبكة تصلهم فقط يوم واحد بالأسبوع وبقية الأيام من البئر الموجودة بآخر حي صمصم والتي تعمل على الطاقة، مطالباً بإصلاح الخط المكسور عند جامع عقيل بمنطقة الخامس.
وقال أبو محمد من سكان الزحلة: إن المياه في كل الأحياء عدم حسب وصفه، ما عدا الخط النازل من وحدة المياه باتجاه المشفى الوطني والفرن الآلي وما بعده، كونه يسكن في المنطقة أحد المسؤولين لم يحدده، بالإضافة للخط الواصل إلى حي جامع الشيخ موسى وإلى جامع الحُسن.
وفي حي البستان المكتظ بالسكان والمحاذي لوحدة المياه كانت الشكوى أكبر بسبب قرب الحي من مصدر الماء، وقال أبو عبدو وكان يوم 14 الشهر الحالي: إن المياه لم تصل الحي منذ أكثر من 10 أيام، ليؤكد آخر أن الانقطاع أكمل 12 يوماً.
وفي أحد مواقع العمل التقت “الثورة” مع شوقي كلية- رئيس ورشة تابعة للمنظمة الدانماركية، وقال: إنهم يقومون بتمديد أنابيب جديدة للصرف الصحي و”راكارات” في المواقع المتضررة، وإن المنظمة جاهزة لتقديم الدعم وأي احتياجات تطلبها بلدية حرستا بهذا الشأن، مبيناً أنهم لم يجدوا أي تسريب للصرف الصحي في هذا الموقع بالقرب من صالة قصر النرجس.
6 أشهر على انسدادات القساطل
ولما كان موقع التلوث قريبا من المستشفى الوطني في حرستا تواصلنا مع مدير المستشفى الدكتور أحمد إسماعيل الذي أكد لنا خلو مياه المستشفى من التلوث، وأنه لم يتم دخول أي حالة إلى المستشفى نتيجة تلوث المياه أو ما شابه ذلك.
ولما امتنعت رئيس وحدة مياه حرستا المهندسة ليندا إبراهيم عن التحدث إلينا ذهبنا إلى المدير العام لمؤسسة المياه بدمشق وريفها محمد عصام الطباع الذي بدوره أجابنا على عجل بسبب ارتباطه بموعد عمل آخر، مركزاً حديثه على موضوع التلوث، مؤكداً أنه بصورة الوضع في حرستا، عازياً هذا الأمر إلى الانسدادات الحاصلة في قساطل الصرف الصحي في عدة مواقع بحرستا وعدم معالجة الموضوع من جانب البلدية، مضيفاً: إن الأمر ليس وليد الساعة بل له حوالى 6 أشهر من الآن.
وحول الانقطاعات الطويلة للمياه قال الطباع: انطلاقاً من حرصنا على حياة المواطنين قررنا قطع المياه عن جميع الأحياء بما فيها الخالية من التلوث، وذلك تحسباً لأي طارئ.
أما رئيس بلدية حرستا المهندس منذر شلة لم نتمكن من الحديث معه حول ما تم طرحه من قبل المواطنين والمدير العام لمؤسسة المياه، بالرغم من اتصالنا عده مرات بمدير مكتبه.
والجدير بالذكر هنا.. أنه خلال إعدادنا هذا التحقيق الصحفي وفي الأيام الأخيرة كثفت المؤسسة العامة للمياه وبلدية حرستا بالتعاون مع المنظمة الدانماركية جهودهما في أعمال الصيانة وواصلوا الليل بالنهار، وعملوا أيام الجمعة والعطل لمعالجة مشكلة تلوث مياه الشرب باستبدال الأنابيب التالفة و”الراكارات” التي تسببت بتسرب مياه الصرف الصحي، كما أرسلت المؤسسة العامة للمياه يوم الجمعة الماضي عدة صهاريج معبأة بمياه الفيجة تم توزيعها على جميع الأحياء، لتزويد الأهالي بالمياه النظيفة والصالحة للشرب.