في اليوم الـ 325 للحرب الإسرائيلية على غزة، يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على القطاع الفلسطيني المحاصر، مكثفاً قصفه وغاراته على مناطق القطاع، وأوامر إخلاء قسري يصدرها الاحتلال.. مخلفاً آلاف الشهداء والجرحى، وتدمير البيوت والمستشفيات والمدارس والبنية التحية..
مع بدء الهجوم الإسرائيلي على القطاع، كان بقاء أهالي غزة في المكان تحدياً وتعبيراً عن الرفض القاطع للتهجير والشتات، مع ضرورة تحقيق الانتصار الفلسطيني على الجيش الذي غزا أرضهم، بعد أن خطفت المقاومة نصراً فيما حصل في طوفان الأقصى.
أصبحت غزة برجالها ونسائها وأطفالها ملحمة للصمود تتجلى فيها معالم الصبر والثبات والعزة والأنفة والإباء واليقين.. إن ما يجري على أرض غزة ليس مجرد هذا فقط، وإنما أرض غزة الآن بثبات أهلها وصمودهم صارت محط أنظار العالم في الوقوف أمام نموذج تاريخي جعل العالم كله من أقصاه إلى أقصاه ينظرون لهذه المشاهد وهم في حالة من الإعجاب والتساؤل عن هذا النموذج النادر من البشر.
في إدارة الشأن اليومي في غزة وفق الإمكانات المتاحة، ووسط البيوت المدمرة، وخيام الإيواء المنتصبة في مساحات فارغة غير آمنة، وعلى الرغم من ألم يعتصر قلوب الجميع، هناك مدرّسون يصرون على مواصلة تعليم الصغار وبأدوات بسيطة، ونسوة يصنعن الخبز بأفران بسيطة، وأخريات يقمن بتفصيل ملابس لذويهن، وصيادون يلتقطون أرزاقهم من البحر المليء بزوارق القتل الإسرائيلية، وفلاحون يزرعون أرضهم لتنبت بعض الخضراوات.. وأطباء يستعملون إمكانات متواضعة في إسعاف مصابين بجروح بسيطة، وآخرين يجرون عمليات جراحية معقّدة في البيوت بلا مخدّر.
كل هذه الأفعال اليومية البسيطة وغيرها.. تشكل تفاصيلها المعنى الحقيقي لـثقافة صمود أهل غزة، وتقدم للعالم أجمع دروساً بليغة وتجربة عميقة، وتبرهن على تحقيق القدرة على هذا التكيف، ما يجري في غزة من أحداث ليس مجرد حرب واعتداء وجرائم صهيونية ضد الشعب الفلسطيني برجاله ونسائه وشيوخه وبنيته التحتية، بل سيكون ضمن المعارك الكبرى التي تحول عندها التاريخ.

التالي