الثورة – رفاه الدروبي:
نُظِّمَتْ ندوةٌ أدبية حول كتاب “كبرياء الحروف” للشاعر مجيب السوسي، شارك فيها سامر الشغري وشذى حمود، ترأس جلستها مدير ثقافي أبي رمانة عمار بقلة، وقدَّم لمحة عن الأديب أنّ يمينه خطت خمسة عشر كتاباً شعرياً صدروا عن اتحاد الكتَّاب العرب، ووزارة الثقافة، ودور النشر السورية والعربية، إضافةً إلى كتاب نثري عنوانه: “بين الثقافة والسياسة”، وعدد من المقالات نشرت في الصحف السورية والعربية، وبرنامج تلفزيوني عنوانه: “لقاء الفكر والفن”، إعداداً وتقديماً”، في ثمانينات القرن الماضي، كما عُيِّنَ مديراً للمراكز الثقافية في وزارة الثقافة.
كبرياء الحروف
أشار مجيب السوسي إلى أهميَّة مجموعته “كبرياء الحروف” الموحية بعظمة اللغة العربية كونها تتعرَّض للطعن من الخلف والصدر في عصرنا الراهن، وأراد لفت النظر إلى الأمر ذاته فأطلق عليها: “كبرياء الحروف”، لأنَّ اللغة لها حق علينا بإصلاح ما تواجهه من تضعيف أو ما يضعفها مع الزمن، إذ بدأت تتعرَّض للموت من قبل مدَّعي الشعر، ويرى بأنَّ القصيدة أشرقت منذ امرئ القيس وحتى تاريخنا الحالي؛ لكن أصابها تبدُّلات كثيرة حتى وصلت إلى قصيده النثر، رغم أنَّه ليس ضدها لكن ضدَّ مَنْ يطعن في صدر وظهر القصيدة والمفردة العربية ومن القيمة العليا واحترام اللغة وإجلالها بدءاً بلباسها السابق وانتهاء بالحالي.
من أهم الشعراء
كما رأت شذى حمود أنَّ الشاعر مجيب السوسي واحد من أهمِّ الشعراء المعاصرين في سورية مَنْ يمتلكون مواهب حقيقية، وثقافة متنوِّعة ومعرفة تُغني ما يكتبونه ويُقدِّمونه إلى الحاضر والمستقبل، والشاعر كتب شعر الشطرين والتفعيلة، وعبَّر عن انفعالاته الوجدانية بأسلوب يجمع الخيال والواقع، والأصالة والحداثة لينسج علاقة جميلة بين نصه والقارئ، وبدا السوسي بكتابة الشعر بشكله التراثي الأصيل، لكنَّ إصداراته الشعرية أتت لتجمع بين الحداثة والأصالة وبدأ بالكتابة من خلالها، صدر له أول مجموعة شعرية عن اتحاد الكتَّاب العرب بعنوان “المرافئ أيقظها الموج” عام ١٩٨٠، ولم تكن إلا بطريقة التفعيلة، مع المحافظة على الوزن الشعري، ثم تلا المجموعة ديوان: “الشمس تدمن وجه البلاد”، بينما نجد في شعره تجلي الوجدان وينسجم مع المتلقي والقارئ بما تعكسه نصوصه من عواطف صادقة، وبالأصل مؤجَّجة من خلال تعامله مع أبناء بيئة أو مجتمعات عاش فيها بينها.
بينما الشاعر السوسي لا يحفر خندقاً ضد القصيدة الكلاسيكية أو التفعيلة، وإنَّما كان مع اللونين والشكلين لكن يسأل المساندين لقصيدة النثر أو ما يسمونها بالتسمية نفسها، متسائلاً: لماذا لا يطلقون عليها نصاً أدبياً، ومنهم كتبها بطريقة سامية ومتألقة وعالية، منتقداً مَنْ يُسمِّي نفسه شاعراً ويرشق الوسط الأدبي بعبارات لا تليق بالشعر مع أنَّ القصيدة المباغتة بمفرداتها وتعبيراتها هاربة من لباس النظم وجموده ومباشرته، لذا اختار مجموعته الشعرية “كبرياء الحروف” كونها تتضمن موضوعات عاطفية، وطنية، اجتماعية، إنسانية، تركت أثرها في وجدان الشعر، واختلطت المشاعر العاطفية المتماهية بحبِّ الوطن ودمشق ليذهب إلى حبِّ الانتماء، واعتمد على الالتزام بالموسيقى واللغة، وتوخَّى الحذر من العثرات الشعرية بكلِّ أشكالها، كما تتصاعد مع الموسيقى عاطفة ارتكزت عليها النصوص باعتبارها أساس الانفعال الوجداني، ويضاف إليها التنوع بموضوعات ومضامين موزونة بأسلوب الشطرين والتفعيلة، وينشد السوسي في حبٌّ دمشق:
تترجم كلَّ اللغات فتفهم
وإنَّ جمالك.. ليس يُترجم
به ألفُ معنى.. ومعنى.. ومعنى
وفي كلِّ معنى.. لسانٌ تكلَّم
وتبقى القدس في قلب الشاعر لتأتي مع الخفقات في القصائد بشكل شديد الانتماء والقوة مع المطالبة بالتحرير والعودة.
مزاوجة بين المعاصر والقديم
بدوره سامر الشغري لفت إلى أنَّ المزاوجة بين المعاصر والقديم تتجلَّى في قصيدة أمواج (أمواج الكهرباء- أعين الظباء) تذكِّره بقصيدة الأديبة غادة السمان: “أشهد عكس الريح على زمن عدواني عكس القلب”،
فالتجديد في القافية عادة يختم الشاعر بيت قصيدته الأول بقافية للشطرين، ولكن مجيب هنا يستخدم قافية واحدة، بينما يفاجئنا في الشطر الأول بقافية تجعلنا ملتبسين كما في قصيدة” سؤال”، مقاطع مباغتة حملت في صورة مغايرة للعنوانين، لكنَّ مجيب يجيء بعبارة من شعر بشار بن برد حين أنشد: “فالعشق عندي بدؤه أذني” ونجد في “تجوال”، معاني صادمة مثل “كي لا أخدش عذرية عينيك”، ثم يعود بتشبيه معاكس فيقول: “يا ذات العينين السارقتين”، وهناك حالة تناص مع القرآن في قصيدة “لغة”، ويرى في “حب عذري” حالة للمرة الأولى حيث يذكر بالاسم ممن استعارها.