الثورة – ديب علي حسن:
منذ أيام عندما كنت أتابع صفحة الدكتور إبراهيم استنبولي- المترجم المبدع عن ومن اللغة الروسية- قرأت ما كتبه عن المبدع تولستوي، إذ كتب يقول (عندما قرأ القيصر نيكولاي الأول رواية “طفولة” التي كتبها ليف تولستوي، وهو ضابط مشارك في حرب القوقاز عام ١٨٥٢، أعجب بها كثيراً إلى درجة أنه أرسل مبعوثاً خاصاً إلى القوقاز مع أمر بنقل الضابط الموهوب إلى مكان آمن للخدمة، بعيداً عن أي مخاطر على حياته..
ولد الكاتب والفيلسوف الروسي العظيم ليف نيكولاييفيتش تولستوي في 9 أيلول من عام 1828.. في عائلة أرستقراطية ثريّة في ناحية ياسنيا بوليانا من مقاطعة تولا.. حيث يوجد اليوم مرقد الشاعر ومتحف تولستوي الرئيسي.
وقد بدأ تولستوي بكتابة عمله الملحمي ثلاثية: “طفولة” و”فتوّة” و”الشباب” عندما كان عمره ثلاث وعشرين سنة.. وفي الأعوام ١٨٦٣ – ١٨٦٩ كتب رائعته الخالدة “الحرب والسلم”.. أما الرواية الأعظم “آنّا كارنينا” فقد أنجزها خلال أعوام ١٨٧٣ – ١٨٧٧..
ومن بين أعماله الإبداعية الأخيرة نذكر: قصص “الأب سيرغي”؛ “يوميات العجوز فيدور كوزميتش قبل الموت”؛ والمسرحية الدرامية “جثة حيّة”.
ويضيف استنبولي.. وبهذه المناسبة يسعدني أن أقول إنه صدر لي عام ٢٠٢٤ ترجمة لكتابين يتعلق كل منهما بشكل أو بآخر بحياة وإبداع الكاتب العظيم:
– “قدّيس ضد أسد: يوحنا كرونشتاد وليف تولستوي قصّة عداء” في دار المدى المعروفة.
– “ليف نيكولاييفيتش تولستوي شهادات معاصرين” في دار سؤال في بيروت.
هذه الإشارات الجميلة تدعونا لأن نعيد التذكير بهذا المبدع الذي لا يمكن أن ينسى ولكن من باب الوفاء لذكراه.
محطات
عام 1844م، قبل ليو تولستوي طالباً في جامعة كازان-كلية اللغات الشرقية، قسم اللغتين التركيّة والعربيّة، ولقد اختار ليو تولستوي هذا الاختصاص لسببين: الأول لأنّه أراد أن يصبح دبلوماسياً في منطقة الشرق العربي، والثاني، لأنّه مهتم بآداب شعوب الشرق.
وعلى الرغم من أن تولستوي كان شغوفا بالقراءة منذ طفولته، كما تقول الموسوعة الحرة عنه، إلا أنه لم يستطع التركيز في دراسته عندما أصبح طالباً، ومع ذلك فقد أنغمس تماماً في الحياة الاجتماعية بالجامعة، وبعد أن فشل في امتحانات السنة الأولى، قرر أن يغير اتجاهه ويدرس القانون، وكانت البداية في ذلك أكثر تبشيرا بالنجاح.
ولكن ما أن حل عام 1847م، حتى كان تولستوي قد قرر ترك الدراسة دون أن يحصل على شهادته الجامعية، وقد جاء ذلك عقب أن جاءته الأنباء بأن تقسيم أملاك الأسرة قد جعلته يرث إقطاعية ياسنايابوليانا، وهي إقطاعية كبيرة فيها أكثر من 330 عائلة فلاحية.
وكان تولستوي رجلا ذا مثل عليا، فأحس أن واجبه يحتم عليه العودة إلى إقطاعيته ياسنايا لرعاية أموره هناك ولتحسين أحوال رعيته من الفلاحين، وأعد مذكرات دقيقة عن خططه لتحقيق ذلك، وعن رغبته في الوصول إلى درجة الكمال، عن طريق أداء واجبه وقراءة أكثر ما يمكنه قراءته.
ولسوء الحظ فإن مثاليته النبيلة وشعوره الشاب بالمسؤولية لم تثبتا أنهما الصفتان المناسبتان للتعامل مع الفلاحين، وبعد مرور صيفين توجه إلى مدينة موسكو، وبعد ذلك إلى سان بطرسبورغ، حيث عقد العزم على نيل درجة جامعية، ومع ذلك فمرة أخرى بدأ تولستوي الاستمتاع بالحياة الاجتماعية أكثر من اهتمامه بتحصيله العلمي، وانغمس في لعب القمار وغرق في الديون، ضاربا بتحذيرات مربيته تاتيانا عرض الحائط.
في القوقاز
كان شقيقه نيكولاس الذي كان يخدم في الجيش الروسي بالقوقاز قد عاد إلى بلده ليقضي إجازته، وعندما رجع إلى مقر عمله، قرر تولستوي أن يصاحبه، تاركا إقطاعيته في رعاية زوج شقيقته ماريا.
وعندما وصل مع شقيقه إلى القوقاز عام 1851م، ما لبث أن أغرم بمشهد الجبال الجميلة هناك، وبعد تسعة أشهر من سفره انضم إلى الفرقة الروسية القوقازية في القتال ضد قبائل السهول التتارية، وقد سجل جانباً كبيراً من انطباعاته التي كونها خلال تلك الفترة في روايته (الحرب والسلام).
وشارك في بعض المعارك ضد جيش المريدين بقيادة الإمام شامل، وفي تلك المرحلة الأولى من حياته ألف ثلاثة كتب وهي (الطفولة) 1852م؛ (الصبا) 1854م؛ (الشباب) 1857م.
واستمر في عمله كجندي حتى عام 1855م، فقد اشترك في حرب القرم، ولكنه عاد إلى سان بطرسبورغ عام 1855م، بعد سقوط سيباستوبول.
ولقد أحب بلاد القوقاز وأثرت فيه حياة شعوب القوقاز وكتب عن تجاربه تلك موضوعات نُشرت في الصحف، وألَّف عنها كتابه (القوزاق) 1863م الذي يحتوي على عدة قصص.