إصدار أوراق نقدية جديدة هل هو حل في ظل التضخم؟.. خبير اقتصادي لـ”الثورة”: الحل الأمثل بالدفع الالكتروني
الثورة – دمشق – وفاء فرج:
طروحات كثيرة ومطالبات مستمرة من مختلف الشرائح بإصدار فئات نقدية جديدة وكان آخر هذه الطروحات ما جاء في التقرير الاقتصادي للاتحاد العام لنقابات العمال.
وفي محاولة لاستمزاج الرأي الأكاديمي بهذا الطرح التقت صحيفة الثورة الباحث الاقتصادي الدكتور فادي عياش والذي قال: من حيث المبدأ، يجب أولاً دراسة أسباب التضخم وتحديدها بمنهجية وعلمية وموضوعية، ثم البحث في سبل معالجتها لإعادة ضبط التضخم ضمن نسب مقبولة لتكون عاملاً مساعداً في التنمية.
تراكم الأسباب التضخمية..
وتابع: للأسف في اقتصادنا تجمعت وتراكمت كل الأسباب والعوامل التضخمية (المحلية منها والخارجية)، ونعاني من كل أنواع التضخم المعروفة.
لكن باختصار شديد- والكلام للخبير عياش- من أهم أسباب التضخم الحالي المحلية، هي تراجع الإنتاج بكل أشكاله، وتراجع الصادرات، ومحدودية الموارد والإيرادات، وقابل ذلك ارتفاع مستمر في التكاليف (أحد أسبابه الرئيسية رفع أسعار السلع والخدمات الحكومية)، ما أدى إلى ارتفاع مماثل في المعدل العام للأسعار ومع تدني القدرة الشرائية، وتراجع الطلب بشدة ونتج عن ذلك حالة الركود التضخمي وهي من أصعب الظروف التي تواجه أي اقتصاد، وبالتالي ظهر منعكس ذلك في تغيرات كبيرة في سعر الصرف وتراجع كبير للقوة الشرائية لليرة.. وكذلك ظهر عجز كبير في الموازنة العامة.
محاولات حكومية..
واعتبر عياش أن الحكومة حاولت معالجة هذه الحالة المعقدة، ولكنها كما يعتقد وقعت في خطأ كبير، عندما اختارت معالجة التضخم كأولوية على معالجة الركود، من خلال تقييد كل من السيولة، والاستيراد، والتمويل في محاولتها لضبط سعر الصرف وتثبيته.. مما عزز من حالة الانكماش في الأسواق، وزيادة معدلات الركود في الإنتاج، وتجاوزها لأكثر من دورة اقتصادية واحدة، وبالتالي تحول الركود إلى كساد وأصبح التضخم جامحاً (رغم عدم اعتراف المركزي بذلك).
كما اضطرت الحكومة نتيجة ذلك للاعتماد على التمويل بالعجز – وفق الدكتور عياش- أي زيادة المعروض النقدي (كتلة العملة المتداولة) دون تغطية كافية، لتخفيض عجز الموازنة، بالإضافة إلى رفع أسعار حوامل الطاقة والخدمات والسلع الحكومية، وزيادة الضرائب والرسوم، مع المبالغة في الجباية، وذلك في محاولتها لزيادة الإيرادات، وترافق ذلك بالتمادي في تخفيض الإنفاق الاستثماري، وكذلك الجاري ومنه الرواتب والأجور، وهذا ما فاقم من حالة التضخم المركب، (تكاليف.. مستتر.. مستورد.. زاحف).
تحفيز الاستثمار..
ويقول الدكتور عياش: وفقاً لما تقدم نجد أن العلاج الفعلي لحالة الركود التضخمي تبدأ من تحفيز الاستثمار في الإنتاج، وزيادة الإنتاجية، وزيادة الصادرات، وزيادة الإنفاق الحكومي الاستثماري والجاري، وكذلك تخفيف القيود على التداول.
هل من حلول ممكنة..
وتساءل.. إذاً هل من حلول ممكنة؟!.. قائلاً: في هذه المرحلة يمكن العمل على تخفيف آثار التضخم ومظاهره، وممكن ذلك بعدة طرق معروفة منها:
أولاً: زيادة الرواتب والأجور بما يجاري معدلات التضخم ويُشترط لذلك توفر الإيرادات الكافية لتغطيتها.
ثانياً- بحسب عياش- يمكن إلغاء أصفار من قيمة الأوراق النقدية المتداولة، ولكن أساساً لا يوجد لدينا فئات نقدية ذات قيم كبيرة كما في الدول التي طبقت هذه الطريقة.
ثالثاً كما يتحدث الخبير الاقتصادي يمكن طباعة فئات نقدية بقيم أكبر، ولنجاح هذه الطريقة يجب أن تكون الفئات الجديدة إما مغطاة بشكل كامل، أو أن تحل كمية وبنفس القيمة الإجمالية، محل كمية الفئات الأصغر المتداولة وسحبها من التداول بشكل كامل. وإلا ستكون النتائج تمويل بالعجز مستتر، وستتفاقم حالة التضخم مجدداً، وبالتالي نجد أن اقتراح بعض الاقتصاديين وبعض الجهات إصدار فئات نقدية بقيم أكبر من المتداول حالياً غير موضوعي إلا في حال التطبيق الدقيق للاشتراطات الموضحة أعلاه، وبكل الأحوال هكذا إجراء في حال طُبق وبشكل صحيح تماماً، يساهم في تخفيف مظهر من مظاهر التضخم والناتج عن التداول الكمي للعملة (أي الكاش) فقط.
رابعاً- يمكن الاعتماد على المنظومة المصرفية وأنظمة وأساليب الدفع الإلكتروني المختلفة، ويقول هنا: أجد أن هذه الطريقة هي الأسلم في مثل حالتنا (أقول الأسلم وليس الأفضل)، فهي كفيلة بتخفيف مظاهر التضخم المتمثلة في الكم الكبير للتداول النقدي (الكاش)، وتسهم في الضبط الطوعي للسيولة في السوق، وتساعد في تحقيق العدالة الضريبية، وزيادة إيرادات الخزينة، وضبط أكبر للمضاربة وتخفيف الضغط على القطع.
ويشير إلى أن هذا ما توجهت إليه الحكومة في مقاربتها للتخفيف من مظاهر التضخم، إلا أن نجاح هذه الطريقة يحتاج إلى توفر شروط هامة ومؤثرة كالبنى التحتية والفنية المناسبة، وانتشار ثقافة الدفع الإلكتروني، وكذلك توفر وإتاحة وسائله وأدواته بشكل كاف وميسر، وكذلك تكامل المنظومة الكلية مالياً وتجارياً وخدمياً.
عدم توفر الشروط
لكن الدكتور عياش يرى أن الواقع يشير إلى عدم توفر هذه الشروط بالشكل المناسب، ناهيك عن الأخطاء الكثيرة وبطء الاستجابة أثناء التنفيذ، ما يؤدي إلى صعوبات في التطبيق، وتأخر في استجابة المجتمع رغم فرضها عليه.
وقال: رغم كل ذلك ومن منظور تحليل كلي اقتصادي وطني، يبقى هذا الحل هو الأسلم لواقعنا الراهن.