دروبُ النعيّمي لا تنتهي

الملحق الثقافي-ر – س:
«كلّ اختراع ثورة، كلّ اكتشاف ثورة، كلّ فكرة جديدة ثورة»، هي تماماً ما نقوم به حين نقرأ لنبحث عن أفكار تملأ العقل وتغذّيه وتفتحُ شهيّتنا على الحياة بطريقة مبتكرة، مقولة الأديب ميخائيل نعيّمة تلك وردت في كتابه «دروب» الذي اخترناه اليوم للاطلاع على أفكار نعيّمة التي تدرّس في كل زمانٍ ومكان، حتى وأنتَ جالسٌ مع نفسك تستحضر ما كتبه وكأنّ دروبه لن تنتهي لأنها بدأت بالنفس أولاً هي حالة التصوّف والنور والحكمة فالقوّة عنده «هي أن تغالب نفسكَ فتغلبها، ومغالبة النفس إنّما تعني تنقية الفكر والقلب من كل شهوة ونيّة تضعفك وتؤذيك، فتضعف بالتالي سواك وتؤذيه، لأن حياتك مرتبطة أوثق الارتباط بحياة غيركَ».
من هنا بدأ بدرب الفكر والنفس والروح، هي حلقة مرتبطة بالآخر لكن قوتها تبدأ منك، أن تعيش بنفس راضية خيّرة « إني لأؤثر لنفسي ولكلّ إنسان أن نزحف على الأرض زحف السلاحف، ولكن إلى الخير.. بدلاً من أن نطير في الجوّ بسرعة البرق، ولكن إلى الشر» وهو القائل: « لست بجاهل أن كلمة «الدين» قد اتخذت على مرّ العصور ألواناً غير مستحبّة في نظر الكثير من الناس، وعلى الأخصّ في هذا الزمان، واللوم في ذلك ليس على الدين بل على الذين انحرفوا به عن أهدافه السامية، فتمسّكوا بقشوره ونبذوا اللباب، ثمّ انتهوا بأن جعلوه مجموعةً من الطقوس الجوفاء، والصلوات التي تحرّك اللسان دون القلب، والشفاهَ دون الفكر والوجدان».
حتى وإن فشل المرء في خلق الخير في نفسه واتقاد شرارته لا بدّ من شرف المحاولة لأنها وكما رآها الجهاد الأكبر» ولكن الناجحين والرّاسبين لا يلبثون في النهاية أن يخوضوا المعركة الكبرى – معركة الحياة القاسية – حيث الكفاح على أشده، وحيث يُمتحنون في كلّ لحظة امتحاناً لا محاباة فيه ولا تزوير».
مؤمناً نعيّمة بأنّ الحكمة أيضاً لا تدرّس في المدارس والجامعات بل نستقيها من مدرسة الحياة «فما أكثر ما ترى بشراً يخرجون من المعاهد العلميّة العالية حاملين أوراقاً تشهد لهم بأنّهم دكاترة في الفلسفة، أو في الحقوق أو في الهندسة، أو في أيّ فرع آخر من فروع العلم و الأدب. وإذا بهم في حياتهم اليوميّة برابرة وأحطّ من برابرة من حيث تذوّقهم لمفاتن الحياة وجمالاتها».
هذا في الحياة فكيفما الموت « فالموت ما كان يوماً غايةً لمخلوق، ولا دافعاً يدفعه على الحركة»، وكأنّه معنا اليوم ونحن نقاوم ولا نساوم على أرضنا وعروبتنا وهويّتنا، وكأنه يصف ما نمر به من تفكك وتشرذم وضياع ، فكتب» ما هو الاستعمار الذي حمل الذّل والفقر والجهل والتفرقة إلى ديار العرب، ولكنه وجدها فيها فاستغلّها إلى أقصى حدود الاستغلال، والذين ساعدوا على نشر هذه الآفات بين العرب، ثمّ ساعدوا المستعمر على استغلالها، هم العرب أنفسهم، هم ذوو السّلطان فيهم، وذوو الوجاهة والمال والممتلكات الواسعة. هؤلاء هم الذين ما عرفوا بعد قيمة الإنسان في نفوسهم ولذلك راحوا يمتهنونها في كلّ نفس. فزيّن لهم جهلهم أن الكرامة – كل الكرامة – في أن تذل جارك. والوجاهة – كل الوجاهة – في أن يزحف الغير إليك على بطونهم. والغنى – منتهى الغنى – في أن يجوع من هم دونك ليستعطوكَ أبداً كسرة يسدّون بها رمقهم، أو أَسمالاً يسترون بها عريّهم، أولئكَ، وإن كانوا من أرومة عربيّة» « ليس يجدي العرب فتيلاً في هذه الفترة الحرجة من تاريخهم أن يتغزلوا بأمجادهم السالفة، أو أن يسلقوا الاستعمار بألسنتهم وأقلامهم. فمذلّة اليوم لن تمحوها جميع أمجاد الأمس. وشتم الاستعمار والمستعمرين لن يعز ذليلاً، ولن يغني فقيراً، ولن يعلم جاهلاً».
وعن العالم الذي نعيشه اليوم عصر التفاهة والبهرجة الصوريّة، كتب نعيّمة ومنذ زمن بعيد وما أقربه بوصف اليوم «همجٌ هم الذين يتلفون خيرات الأرض والسّماء بطراً وتعسّفاً واعتباطاً غير مبالين بإخوة لهم يسعون وراء الرغيف فيهرب منهم الرّغيف، ويجدّون في طلب القميص فلا يظفرون بغير الأسمال، ويفتّشون عن سقف يظلّل رؤوسهم فلا يجدون غير القبّة الزرقاء.. وإن من حسنات النكبات – جماعيّة كانت أو فرديّة – أنّها توقظ الضمائر، وتثير التعاطف بين الناس. وعلى الأخص في هذه الأيام التي تصرّمت فيها المسافات، وتقاربت آذان الأمم وشفاها فلا تكاد صرخة تنطلق من أيّ بقعة من بقاع الأرض حتى يسمعها الناس في جميع البقاع».
حقاّ إنّ الإنسان أخو الإنسان أينما كان، وأوضح ما تتضح هذه الأخوّة في النكبات الجماعيّة التي تأتينا من الطبيعة، أما النكبات التي ينزلها الإنسان بالإنسان، كالحروب الساخنة والباردة، فمن شأنها أن تفعل العكس بالتمام. إذ أنّها توغر قلب الإنسان على أخيه وتطرد منه الرحمة والأخوة لتنصّب القسوة والعداوة مكانهما.
ونختم عن نظرة نعيّمة لنا ولأفقنا الضيّق في كتابه «دروب»:
وأما مركب النقص فشاهده أن أبناء الضاد ما زالوا يستكبرون كل ما يأتيهم من الغرب وإن يكن صغيراً ويستصغرون كل ما ينبت في ديارهم وإن يكن كبيراً. إلا إذا شهد الغرب بأنه شيء كبير. فهو إذ ذاك عند العرب كبير وجدّ كبير، وحسبهم اتكالاً على الغرب أنهم يتمذهبون بمذاهبه ويأتمّون بأئمته. فأنت لا تقرأ لهم مقالاً عن كاتب عربي حتى تقرأ عشرين عن كاتب إفرنجي وأنت لا تسمع بمذهب أدبيّ خلقه ثم تزعمه كاتب عربي. ولولا مركب النقص فينا لآن لنا أن نستقلّ عن الغرب وأن نخلق أدباً بينه وبين ماضينا وحاضرنا، وبين سمائِنا وأرضنا، وبين ما تعمر به قلوبنا وأفكارنا تجانس وتقارب وتجاوب».
                          

العدد 1208 – 8 – 10 -2024   

آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها