هل تعيد الحكومة النظر بقرارات دمج المؤسسات واقع ينبئ بتعقيدات إدارية وتكريس لمركزية القرار يهدد الإنتاج
تحقيق- وفاء فرج
لخص عمال وإداريون في الشركات الصناعية المدمجة حديثاً، وهم أقرب للواقع، جوهر الخلل في التطبيق العملي للدمج أنه يعود إلى مركزية القرار الذي يؤخر أي إجراء يحتاج السرعة، وخير مثال أعمال الصيانة المتوقفة، وعلى سبيل المثال آلة معينة لا يستطيع مدير المعمل إصلاحها حتى يخاطب الفرع، ومن ثم مخاطبة الإدارة المركزية، والذي يستغرق وقتاً طويلاً لحين الموافقة على الإصلاح، وبالتالي تأثر الإنتاج، وقس على ذلك كل الاحتياجات.
أما عند البيع والتسويق، فالتاجر الذي سيشتري قماشاً- بحسب ما علمنا- يحتاج إلى وضع حوالة مالية لدى الشركة المعنية، وذلك يتطلب مراسلات ماراتونية، الأمر الذي يحتاج لوقت أطول ما يجعل التاجر يعزف عن الشراء، وهذا بدوره يضر بالعملية التسويقية بعد أن كان كل ذلك يتم في الشركة.
ووفقاً لآراء حصلت «الثورة» عليها أن توصيفات الهيكلية في الشركة والفروع والمعامل لم يتم البت بها، وأيضاً الاعتماد في التسميات لمراكز القرار ليس فقط في المؤسسات المدمجة، وإنما بجميع المؤسسات الصناعية على حاملي شهادات الهندسة رغم أن بقية الشهادات مطلوبة كالاقتصاد والحقوق، والتي أثبتت خلال السنوات الماضية أنها إدارات ذات كفاءة، إضافة إلى أن الدمج أثر سلباً على تسويق منتجات المعامل نتيجة حجم كميات الإنتاج، وتنوعها فكانت سابقاً على معرفة بإنتاجها ومنافذ التسويق الخاصة بها، وحسب ما يتطلبه السوق، أما حالياً يصعب على الشركة المدمجة الإلمام بكل منتجات المعامل ومنافذ تسويقها، ما يؤدي إلى تراجع المبيعات وبالتالي تراجع الإنتاج، ناهيك عن عدم توجيه المعامل التابعة لتحويل المنتجات فيما بينها بسعر التكلفة لتخفيض سعر المنتج النهائي، والذي يمثل الهدف الأول من عملية الدمج.
إضافة إلى عدم صدور التكليف الوظيفي، والأخطر في الدمج هو التأخير الكبير الذي حصل في استلام العمال لرواتبهم، بعد تأخره إلى الرابع من الشهر الحالي، بسبب عدم منح التفويضات والمركزية المفرطة حسب آراء العمال، وهي تستغرق وقتاً طويلاً..
وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا الدمج، طالما لن يحقق فائدة، خاصة أن هناك أمثلة كثيرة على تجارب للدمج كانت غير ناجحة؟.
دمج المشكلات أدى لحلها
مدير الشركة العامة للاسمنت «العمران» المهندس عصام العبد الله قال: في الواقع دمج المشكلات أدى إلى تسهيل حلها وخاصة أنها أصبحت بقرار مركزي، وخير مثال على ذلك: سهولة في إدارة حلقات الإنتاج بما فيها التسويق النهائي، وهذا يسرع في عملية الإنتاج وترشيق القيادة الإدارية وسرعة في اتخاذ القرار من خلال صهر دوائر القرار في دوائر صغيرة وفاعلة.
واعتبر أن الدمج أدى إلى سهولة في جدولة ديون الشركة وتسريع تحصيلها، ما يسهل في عملية إجراء التقاضي وتحصيل حقوق الشركة، كما عمدنا إلى نقل القطع التبديلية من المعامل التي هي ليست بحاجة لها أو من المعامل المتوقفة نتيجة الحرب و العدوان على بلدنا إلى المعامل المنتجة.
وحول تقليص الصلاحيات قال: على العكس تماماً الصلاحيات أصبحت أكثر مرونة من خلال تقليص عدد الحلقات الإدارية، وهذا انعكس إيجابياً على سرعة اتخاذ القرار في الإنتاج والتسويق والتوزيع.
تخفيف الإجراءات
ويتابع: نستطيع القول إن كل ما سبق يعتبر من إيجابيات عملية الدمج ونضيف عليها أن الربط بين (الإنتاج والتسويق والتوزيع) تحت سقف واحد خفف الكثير من الإجراءات السابقة التي كان يعاني منها المواطن في الحصول على مادة الاسمنت، وسهّل وسرع عملية اتخاذ القرار في تأمين مستلزمات الإنتاج وتأمين القطع التبديلية، الذي بدوره سرع في إجراء الصيانات الدورية الطارئة، كما أدى إلى تفعيل بعض المعامل المتوقفة بشكل جزئي نتيجة الحرب، وتشغيل بعض الأقسام الصالحة للعمل بعد إجراء الصيانات اللازمة، وأدت عملية الدمج إلى توافر إمكانيات كبيرة للشركة.
لا تعقيدات إدارية
وأوضح العبد الله أنه في ظل الدمج أصبح من السهل علينا نقل الكوادر الفنية والإدارية والاختصاصية من مكان إلى مكان آخر، ونستطيع استثمارها فيه بشكل أفضل لتعويض النقص الحاصل في كوادرنا، وكوادر مؤسسات الدولة عموماً، وهذا النقل يتم بقرار مركزي واحد، أما سابقاً كان بحاجة لموافقة وزارتين، وهذا أعطى ديناميكية وحركة أفضل وأسرع لاستثمار جميع الكوادر وخاصة في المعامل المتوقفة عن العمل، واستثمارها في المعامل المنتجة.
حالةٌ صحيةٌ وإيجابية
بدورة مدير الشركة العامة للنسيج وحلج الأقطان المهندس حسن السيد قال: باعتبار أن الشركة في طور الإقلاع لا يمكننا الحكم على وجود منعكساتٍ سلبية، ومن وجهة نظرنا فإن الدمج حالةٌ صحيةٌ وإيجابية، ويتم بذل أقصى الجهود لتحقيق الأهداف المرجوة من قانون الدمج.
وأوضح أنه قبل عملية الدمج لم تكن توجد فروع وإنما شركات مستقلة مالياً وإدارياً، وبموجب قانون الدمج تم إحداث هذه الفروع التابعة للشركة، ومنحها صلاحيات جيدة للإشراف على عمل المعامل التابعة لها، وبما يحقق تكامل الأنشطة الصناعية بين معامل كل فرع وبين الفروع التابعة لها، كما أن العملية الإنتاجية مستقرة.
مبدأ التضافر والتكامل
الباحث والخبير الاقتصادي وعضو مجلس إدارة شركة الإسمنت «العمران» الدكتور فادي عياش قال: جاء في الكلمة التوجيهية للسيد الرئيس بشار الأسد للحكومة الجديدة واقتبس: «..المنظومة الحالية خاصة الإدارية والاقتصادية لا يمكن أن تستمر، هذا العنوان الأساسي»…
«..لا يمكن أن تكون الأغلبية الساحقة من دول العالم بالاتجاه الخاطئ ونحن فقط بالاتجاه الصحيح..»
«..هذا الرفض القديم للتغيير أدى إلى نتيجة واحدة أن الحكومات المتعاقبة ونحن المسؤولين في الدولة اتبعنا سياسة الترقيع لا سياسة التغيير..». انتهى الاقتباس.
ويرى أنه انسجام مع ذلك وفي إطار إصلاح وتطوير وتنمية القطاع العام الصناعي، ولاسيما بعد فشل العديد من المحاولات (الترقيعية) السابقة، كان لابد من القيام بإجراءات إصلاحية جوهرية وإستراتيجية وتقوم على منهجية علمية ومهنية واقعية واحترافية، تؤدي إلى معالجة واقع القطاع العام الصناعي كأحد أهم مكونات القطاع العام الاقتصادي.
ويضيف: واحدة من أهم العقبات التي تواجه القطاع العام الاقتصادي عموماً والصناعي خصوصاً هو ازدواجية المعايير في التصنيف والروتين الشديد والتعقيد في التنظيم والإجراءات الإدارية والتعاقدية الناتجة عن القوانين ذات الصفة الشمولية كقانون العاملين الموحد، وقانون العقود ما يفقد مؤسسات وشركات القطاع العام الصناعي الكثير من المرونة اللازمة والضرورية لتمكينها من المنافسة القوية وتطوير إنتاجيتها وتحسين جودة منتجاتها، بالإضافة إلى المعيقات الأخرى وأهمها التمويل والتكاليف والتشابكات مع الجهات العامة والعبء الاجتماعي الكبير، ذلك دون إهمال المعوقات الإدارية المتعلقة بالكوادر والمؤهلات ونظم الإدارة، ما أثر على نتائج مؤسسات وشركات القطاع العام الصناعي وأعاق قدرتها على المنافسة والتطور وفاقم من التكاليف وبالتالي تراجع الأرباح والوقوع في الخسائر.
ويتابع: نتيجة دراسة جميع المحاولات الإصلاحية السابقة تم اعتماد مبدأ إعادة هيكلة المؤسسات والشركات في القطاع العام الاقتصادي والصناعي من خلال دمج المؤسسات والشركات التي تحقق مبدأ التضافر والتكامل وتواجه عقبات وتعثرات فنية وإنتاجية وإدارية وتمويلية وتسويقية، وبالنتيجة تحويل هذه المؤسسات والشركات بعد الدمج إلى شركات عامة ذات طابع اقتصادي بتوصيف دقيق وتخضع وفق مراسيم تأسيسها إلى مفاهيم فصل الإدارة عن الملكية وتطبيق الحوكمة واكتسابها المرونة الكافية، وإعادة الهيكلة التنظيمية بما يساعدها في تحقيق أهدافها الرئيسية وهي (الربحية)، كما حددها السيد الرئيس بشار الأسد في كلمته التوجيهية للحكومة الجديدة عندما قال واقتبس:
«.. بكل المنطق في كل العالم المؤسسة الاقتصادية تعني شيئاً وحيداً، تعني أنها مؤسسة أسست لتربح..» انتهى الاقتباس.
وفقاً لذلك- والكلام للخبير الاقتصادي- تمت عمليات إعادة هيكلة المؤسسات والشركات في القطاع العام الصناعي كمرحلة أولى من مراحل إصلاح وتطوير وتنمية القطاع العام الصناعي.
ويقول: المرحلة الثانية، كما أجدها، وهي الكفيلة في تحقيق القطاع العام الاقتصادي عموماً والصناعي خصوصاً لأهدافه الاقتصادية والتنموية، هي في تحويل الشركات الجديدة بعد الدمج إلى شركات مساهمة عامة مملوكة للدولة وتطبيق مفاهيم الحوكمة وفق أحكام القانون 3 لعام 2024.
أهمية الدمج
واعتبر أن عملية دمج المؤسسات أو الشركات أو المنظمات الاقتصادية هي إحدى الحلول الإستراتيجية التي تلجأ إليها المؤسسات والشركات لمعالجة مشكلات تتعلق بالتعثر أو الإفلاس أو لمواجهة حالة تنافسية أو لتنفيذ مهام ومشاريع كبيرة تحتاج لإمكانات ضخمة تفوق إمكاناتها المنفردة.
وبحسب الدكتور عياش- الدمج أحد أدوات عملية إعادة الهيكلة التي تقوم بها المؤسسات بغية إعادة تنظيم مواردها بالشكل الأمثل واستثمارها بفاعلية وكفاءة تنافسية عالية.
ويرى أنه تختلف عملية الدمج المؤسساتي عن باقي أدوات إعادة الهيكلة (كالتحالف والتعاون والتشارك والاستحواذ..).. بأن الدمج يقوم على إلغاء الكيانات الموجودة للمؤسسات قبل الدمج وإعادة تكوين كيان جديد بشخصية حقوقية جديدة كلياً، ويمكن انتقال جميع التزامات وحقوق الكيانات السابقة إلى الكيان الجديد ما لم يتم تصفيتها مسبقاً.
مبررات وأهداف الدمج المؤسساتي
وينوه الدكتور عياش بأن عملية الدمج المؤسساتي تهدف إلى تحقيق العديد من الغايات والأهداف الهامة منها:
– معالجة حالات التعثر والإفلاس المحتملة الناتجة عن تتالي الخسائر أو النتائج السيئة للمؤسسات أو الشركات القائمة.
– تحقيق مبدأ التضافر والتكامل مما يساعد في ضبط الهدر والفاقد وكذلك تقييد الفساد، وبالتالي تخفيض وضبط التكاليف. ولاسيما التكاليف الثابتة وهي شرط أساسي للنمو والتطور.
ناهيك عن زيادة الإنتاجية وتحسين مستويات الجودة وتحقيق وفورات الحجم الكبير والاستفادة من قانون أثر الخبرة، والقدرة التنافسية للشركة الجديدة ما يساعد في زيادة الحصة السوقية والتوسع من خلال استراتيجيات التنويع الكلي في الأسواق المحلية والخارجية، وكذلك زيادة المقدرة الربحية للشركة الجديدة، أي التخطيط لتحقيق الأرباح المجزية – والحفاظ عليها – ثم زيادتها وتنميتها باستمرار، وقدرة الشركة على توليد القيم المضافة الاجتماعية والتي تتيح لها فرصة المساهمة الأكبر في التنمية الاقتصادية وتطيق المسؤولية المجتمعية، والقدرة التمويلية للشركة الجديدة وتعزيز موقفها التفاوضي في أسواق المال، وبالتالي المساعدة في تأمين السيولة والتمويل الكافي للتوسع والتطوير والنمو، وتجاوز بعض العقبات التشريعية والإجرائية والتي تفرضها بعض القوانين العامة.
متطلبات النجاح
ويشترط الخبير الاقتصادي في حديثه لصحيفة «الثورة» لنجاح عملية الدمج المؤسساتي توفر مجموعة من الشروط لما تتضمنه عمليات الدمج من تعقيدات قانونية وتنظيمية وتشابكات معقدة في الحقوق والالتزامات، ولاسيما تجاه الغير والتي كانت تقع على عاتق المؤسسات والشركات قبل الدمج، ومن هذه الاشتراطات:
– إنهاء الشخصية الحقوقية للكيانات الداخلة في علمية الدمج، لإنشاء كيان جديد ومستقل كلياً عن الكيانات السابقة، وبالتالي تصفية الحقوق والالتزامات كاملة أو نقل بعضها ذي صفة الاستمرارية إلى الكيان الجديد للحفاظ على حقوق الغير.
– أن تحقق المؤسسات أو الشركات التي سيتم دمجها مبدأ التضافر والتكامل الفني والتقني والإنتاجي والتسويقي، وضرورة إعادة الهيكلة الإدارية والتنظيمية وإعداد نظم عمل جديدة تتناسب مع طبيعة الكيان الجديد بعد الدمج، وتطبيق مبادئ حوكمة الشركات وفصل الإدارة عن الملكية، واعتماد نظم رقابة دقيقة.