الثورة:
في عام 1982 وبعد أسبوع من غزو الكيان الإسرائيلي للبنان، نشرت خطة “عوديد ينون” في صحيفة “كيڤـونيم” الناطقة باسم إدارة الإعلام في المنظمة الصهيونية العالمية، تحت عنوان “استراتيجية إسرائيل في الثمانينات،.
وتعرض “وثيقة ينون” نهجاً استعمارياً لتفتيت الدول العربية وتقسيمها إلى دويلات متناحرة يسيطر عليها كيان الاحتلال، ولهذا السبب سعى الكيان في مطلع الثمانينات، إلى وضع استراتيجية جديدة لأهدافه في داخل الأراضي المحتلة وخارجها، وحصل على دعم من قبل أعضاء معهد الاستراتيجيات الصهيونية في الإدارة الأميركية، كونها تعد منهجاً لتحقيق المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، ولتحقيق حلم الصهاينة بدولة من نهر النيل إلى نهر الفرات حسب ما يدعون.
وقد هدفت وثيقة “عوديد ينون” لتشتيت الهوية العربية عن طريق التقسيم الديني والعرقي وبدؤوا تطبيق هذه الخطة التي نصت على أن “إسرائيل الكبرى” ستضم أجزاء من لبنان وسورية والأردن والعراق ومصر والسعودية، وستنشئ عدداً من الدول الوكيلة لضمان تفوقها وفرض هيمنتها على المنطقة بالسيطرة على الموارد الرئيسية في معظم البلاد العربية.
وبالفعل هذا ما رأيناه في محاولات تقسيم العراق إلى ثلاث دول على أسس مذهبية وعرقية، وما شهدناه لاحقاً تحت ما يسمى الربيع العربي لتقسيم ليبيا ومصر والسودان واليمن وسورية ودول أخرى إلى دويلات صغيرة لاستنزاف القدرات البشرية والاقتصادية فيها وتدمير البنى التحتية وذلك ببث شعارات كاذبة باسم الديمقراطية والإصلاح السياسي والاقتصادي.
وتعكس الخطة كما ذكرنا سابقاً استراتيجية العدو الصهيوني الموروثة من إيديولوجيا الصهيونية، والمستمدة حديثاً من أنظمة الاستعماريْن القديم والحديث فهي لا تريد أن ترى عالما عربيا متماسكاً تربطه الهوية العربية حتى ولو فصلته حدود وكل ذلك لإبعاد الفكر العربي عن القضية الفلسطينية التي كانت ومازالت البوصلة الحقيقة لمعظم الدول العربية.
الكيان المحتل أراد أن يرى العالم العربي دويلات مقسمة ومنقسمة مستعدة للخضوع لهيمنته بأي شكل، وكثيراً ما أشار الكيان إلى أن هذا الهدف يتحقق أولاً بتهجير الفلسطينيين من فلسطين والحديث عن مشروع الشرق الأوسط الجديد و”إسرائيل” الكبرى.
الوثيقة وضعها وخط مضمونها سياسياً وعسكرياً وديمغرافياً وجغرافياً الصحافي الصهيوني في جريدة “جورزاليم بوست” “عوديد ينون”، الذي شغل منصب مستشار رئيس حكومة الكيان الأسبق شارون وحمل هذا الصهيوني كل ما يطمح له الكيان من تهويد المنطقة بأكملها والتوسع الاستيطاني بشتى الوسائل سياسياً أو عسكرياً حتى بالأساليب الثقافية والاستخباراتية.
ولا يمكن اليوم وفق مجريات الأحداث في المنطقة والعدوان على غزة ولبنان وسورية، إلا أن نجزم بأن كيان الاحتلال ماض في مشاريعه العدوانية وخططه التقسيمية كخطة “ينون” التي يريد نتنياهو تنفيذها من خلال حملته الوحشية على غزة ولبنان والإبادة الجماعية وسياسة الأرض المحروقة التي يمارسها.
وقد قدم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة خريطة جديدة للشرق الأوسط تكشف عن نيته إعادة تشكيل المنطقة بما يتماشى مع مصالح كيانه ومخططاته الاستعمارية لإنشاء شرق أوسط يناسب كيانه العنصري، امتداداً لفكرة شمعون بيريز عام 1993 والذي طرحها في كتابه «الشرق الأوسط الجديد».
ومن المعروف أن ما يؤرق الكيان المحتل هو فكرة الهوية العربية الواحدة وتضامن دول المنطقة، وكلنا يعلم كم آلم الكيان الوحدة السورية المصرية عام 1958 والتي لم تدم بسبب تآمر الدول الاستعمارية والكيان الإسرائيلي عليها.
علي الحلاق