الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
رحل الكاتب الفلسطيني رشاد أبو شاور بعيداً عن بلدته ذكرين التابعة لقضاء الخليل، حيث انفطر قلبه شغفاً لرؤياها مُحرَّرةً ليعود إلى وطن يحتلُّ شغاف قلبه كونه ولد وعاش سنوات النكبة بين التشرُّد والضياع والعيش في المخيمات.. توفى عن عمر ناهز ثمانية عقود ونيِّف.
لم يكن أمامه منذ عرف طريقه إلى الكتابة غير مذهب «الالتزام» و»أدب المقاومة»، وكتاباته القصصية والروائية، بالإضافة إلى أنَّه عمل في مجلس الإعلام الموحَّد، وكان نائباً لرئيس تحرير مجلة الكاتب الفلسطيني الصادرة عن اتحاد الكتَّاب العرب والصحفيين الفلسطينيين في بيروت، وعضواً في جمعية القصة والرواية، والمجلس الوطني الفلسطيني منذ سنة 1983، حتى وفاته نهاية أيلول الماضي، كما اعتبرت روايته «العشاق» الصادرة عام 1977 من بين أهم مائة رواية في العالم العربي، وحاز على جائزتي: «محمود سيف الدين الإيراني»، وفلسطين التقديرية للعام 2019.
صدرت أولى مجموعاته القصصية «ذكرى الأيام الماضية» في سبعينات القرن الماضي، ثم توالت مؤلفاته، ومنها روايات «أيام الحرب والموت» 1973، «البكاء على صدر الحبيب» بعدها بعام، و(العشاق) 1978، إضافة إلى دراسات أخرى.
حياته وأعماله
لجأ مع والده بعد النّكبة إلى الخليل سنة 1948، ثم انتقلت الأسرة إلى مخيّم الدهيشة في بيت لحم وأقامت فيه حتى سنة 1952، بعد ذلك بخمسة أعوام أتوا إلى مخيم النويعمة بأريحا، ولجأ مع والده بعدها إلى سورية، وبقي حتى سنة 1965، ثم عاد إلى النويعمة، وظلَّ فيها حتى عدوان حزيران 1967، فاستقال من عمله في أحد البنوك، وارتحل إلى بيروت، بدأ بدراسة اللغة العربية في جامعة بيروت العربية في بداية سبعينات القرن الماضي، ولم يتمها، فاتجه للعمل في الإعلام الفلسطيني الموحد نائباً لرئيس التحرير في مجلة «الكاتب الفلسطيني» حيث كانت تصدرعن اتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين في بيروت حتى سنة 1982، ثم انتقلَ إلى دمشق وأقام فيها حتى سنة 1988، وبعدها سافر للعيش في تونس وعمل مديراً لدائرة الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية حتى سنة 1994، ثم عاد إلى عمّان، وأقام فيها، ومُنح عضوية اتحاد الكتّاب الفلسطينيين في القاهرة سنة 1969، كما أسهم في تأسيس الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الفلسطينيين في بيروت، وانتُخب عضواً في أمانته العامة لدورات عديدة، ثم ترأس اللجنة التحضيرية لتجمُّع الأدباء والكتَّاب الفلسطينيين، وكان عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني منذ سنة 1983، وكاتب عمود في صحيفة «القدس العربي» منذ سنة 1990.. من نتاجه الروائي: «أيام الحرب والموت، 1973 البكاء على صدر الحبيب، 1974 العشاق»، 1978. تنوَّعت كتاباته بين القصة القصيرة والرواية والمقالة والمسرحية، فكتب للكبار وللأطفال، كما كتب في الفكر والسياسة والثقافة قريباً من فلسطين، مؤمناً بحريتها وتحريرها رغم كلٌّ الخيبات.
أمَّا نتاجاته الأخرى: فكتب قصصاً مثل: «ذكرى الأيام الماضية» في سبعينات القرن الماضي 1970، وبعد أربع سنوات صدر له «بيت أخضر ذو سقف قرميدي»، و»مهر البراري» وبعدها «الأشجار لا تنمو على الدفاتر»، ثم أتبعها بعد عامين بقصص للأطفال عنوانها: «عطر الياسمين» وللفتيان بعد عام «أرض العسل»، ومقالات «آه يا بيروت» 1983، وفي بداية القرن الواحد والعشرين صدر له قصص «الموت غناء» 2003.
سمات قصصه
معظم قصصه تتمركز في محور «المقاومة» والهموم الفلسطينية، إذ رسم في أحداثها صورة المدافعين عن أرض الوطن وأحلامهم، وأجواء القصف، والملابسات المحيطة بهم، وعندما تقرأ مجموعته الأولى «ذكرى الأيام الماضية» تجده يسترجع أصداء حزيران، ويراجع ما حدث، لكنَّه لا يبالغ في وصف الإحباط ولا يدعو إلى اليأس، وإنَّما تفرُّ قصصه عموماً من يأس الهزيمة إلى أمل المقاومة، ولذلك نجد فيها شخصيات تمثِّلُ الشباب المقاوم كونه مستقبل التحرير والفداء، بينما ينبرون للدفاع عن حقهم المسلوب، مغادرين مدارسهم وأعمالهم وبيوتهم المؤقتة، لينتقلوا من خيمة اللجوء إلى خيمة المقاومة، لا يُفكِّرون إلا في تحرير فلسطين وفدائها بأرواحهم، يقودهم في ذلك وجدانهم المقاوم وروحهم المندفعة المتفائلة.
يستكمل أبو شاور في المجموعة الثانية «بيت أخضر ذو سقف قرميدي» أجواء المجموعة الأولى، ونجد من الناحية الفنية أكثر من قصة تنحو إلى التجريب عبر تقنيات التقطيع واللقطات السينمائية، والإفادة من لغة السيناريو ودمجها في العمل القصصي، كما في قصة «قبل سقوط المطر»، حيث تكثر فيها الملاحظات السينمائية المساعدة على إحداث النقلات القصصية، وكذلك قصة «طوبى للموتى» الجامعة بين إحباط أيلول والتقنيات السينمائية في قصة واحدة. كذلك نجد بدايات لتوظيف الموروث والأغاني الشعبيين، وما أشبه ذلك من ظواهر جديدة، تُخفِّفُ من نبرة الخطاب السياسي لمصلحة مستويات مُتعدِّدة من الخطاب الجمالي.
مضمون قصصه
أما مجموعة «الأشجار لا تنمو على الدفاتر» فتميَّزت بالتوسُّع والتنوّع في الشخصيات والمناخات؛ ولم تعد محصورة بالمقاومين بل نجد محاولة تجريبية لتوظيف التراث العربي والإسلامي عبر استحضار شخصيات تراثية دالة على محاولات لفهم الحاضر في ضوء تجارب الماضي، وأحياناً كخيار رمزي يعالج الحاضر مَنْ لا يستطيع القاص محاكمته بصراحة أو بوضوح.. نجد التوجه نفسه في قصة «الذي مات عند قمة الجبل» تستعيد احتلال المغول للعالم الإسلامي، وتركِّز على بلاد خوارزم وقائدها أو أميرها جلال الدين شاه ومقاومته للمغول، وقصة «اغتيال أبي الطيب المتنبي» وقصة «عكا والإمبراطور» أهداها إلى غسان كنفاني، ورسم فيها مشهداً قصصياً مكثفاً لهزيمة نابليون بونابرت في عكا، وتقهقره عند أسوارها. وهناك قصة «العصي والعيدان» عبَّر فيها عن فكرة الوحدة العربية، معتمداً على القصة التراثية عرض فيها الأب العجوز حزمة العصي على أبنائه، ليحاول كلٌّ منهم منفرداً أن يكسرها فما استطاعوا ذلك إلا حين تعاونوا فكسروها مجتمعين. كلّ ذلك ليفهموا المبدأ القائل: إنَّ «الوحدة قوَّة والتفرُّق ضعف». حمل في مكنوناته نَفَسَاً تراثياً موظفاً لتوسيع التعبير الفلسطيني وتعميقه ضمن الهدف الثوري الملتزم.
العدد 1210 – 22 – 10 -2024