الثورة – دمشق – جاك وهبه:
قدم الباحث الاقتصادي والأكاديمي الدكتور علي محمد، قراءة شاملة للبيان الحكومي الأخير، موضحاً أن البيان جاء في صيغة مبسطة وسهلة الفهم، مما يجعله متاحا لجميع شرائح المجتمع سواء كانوا مواطنين عاديين، موظفين حكوميين، أو مسؤولين في مختلف الوزارات والمؤسسات العامة، كما يوجه البيان اهتمامه إلى قطاع الأعمال والاستثمار والإنتاج في سورية، بما في ذلك رجال الأعمال.
لم يتضمن وعوداً
وبحسب الدكتور محمد حمل البيان مجموعة من الرسائل الموجهة إلى الداخل والخارج، سواء كانت سياسية، اجتماعية، أو اقتصادية، وعلى الرغم من شفافيته وملامسته للواقع، إلا أنه لم يتضمن وعوداً كبيرة بتحسينات ملحوظة في المستقبل القريب، وهذا يعكس واقعاً ربما يكون مخيباً للبعض، خاصة في ظل التحديات التي تواجه البلاد.
ولفت إلى أن البيان تحدث بواقعية شديدة عن التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه سورية، وتحت عناوين مثل “إشكاليات داخلية” و”إشكاليات خارجية”، أشار إلى أن إدارة الموارد الوطنية بكل تحدياتها هي مسؤولية الحكومة، وقد ركز على ضرورة تحسين إدارة هذه الموارد وزيادة كفاءتها.
لا يشهد تحسناً
وقال الدكتور محمد: “رغم تناول البيان بعض النقاط التي ستعمل عليها الحكومة، إلا أن هناك قضايا هامة، مثل أزمة الكهرباء، التي أشار البيان إلى صعوبتها، وأوضح أن حل هذه الأزمة معقد بسبب نقص المدخلات اللازمة لإنتاج الطاقة، وهذا يشير إلى أن عام 2025 قد لا يشهد تحسناً كبيراً في قطاع الطاقة، إلا من خلال محاربة الهدر والفساد في توزيع الكهرباء، وهي نقطة تحمل الحكومة مسؤوليتها”.
كذلك الحديث، يضيف محمد، عن أي محدودية في مواردنا المالية وتنامي عجز الموازنة هو حقيقة بالتأكيد، لكن أيضاً لم يتم توضيح كيف سيتم تحسين هذه الموارد المالية في العام القادم، بما في ذلك موضوع عجز الموازنة الذي بلغ أكثر من 11 ألف مليار ليرة في موازنة عام 2025 مقابل 9 آلاف و230 ملياراً في عام 2024، مشيراً إلى أن هذا الأمر واقع، ولكن لم يتم توضيح كيف سيتم تعويض هذا العجز، سواء من خلال سندات الخزينة أو الإصدار النقدي، خاصة بعد أن أشار البيان الوزاري إلى أن الإصدار النقدي له آثار سلبية على الاقتصاد، وهذا حقيقة صحيحة بالفعل.
زيادة متواضعة
وبالتالي، والكلام للباحث الاقتصادي والأكاديمي، هذه المحدودية في قدرة الدولة على حل أزمة الكهرباء ومحدودية الموارد المالية ستنعكس على عدم القدرة على خلق موارد لتمويل منشآت التنمية وزيادة الرواتب إلى المستوى المطلوب، حيث إن مؤشرات الإنفاق الجاري في عام 2025 تبلغ نحو 37 ألف مليار ليرة، ما يشكل ارتفاعاً بمقدار 10 آلاف و500 مليار عن العام السابق، من هذه الزيادة، يُخصص حوالي ألفين و500 مليار ليرة لتغطية زيادة الرواتب التي تمت في شباط 2024، مما يترك حوالي 8 آلاف مليار ليرة، وهذا يعني أن أي زيادة في الرواتب قد تكون متواضعة نسبياً بناءً على هذه الأرقام.
ويعتقد الدكتور محمد أن موضوع الدعم الاجتماعي الذي ستقوم به الحكومة سيتم تنفيذه والعمل عليه خلال الفترة القريبة القادمة، خاصة وأن رئيس الحكومة أشار إلى أنه لا يوجد وقت كبير لإعادة هيكلة الدعم الاجتماعي، مشيراً أن هذا الموضوع سيكون له تأثير كبير على الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع السوري.
زيادة الواردات
الملفت للنظر في البيان الحكومي- بحسب الدكتور محمد، هو التركيز على موضوع الإنفاق العام بشقيه الجاري والاستثماري، وبشكل خاص الإنفاق الاستثماري، وأشار البيان إلى أن هناك رغبة وتوجها في ترشيد وزيادة كفاءة الإنفاق الاستثماري، ففي سورية، كفاءة الإنتاجية للإنفاق الاستثماري عبر التاريخ، وخاصة خلال الخمسة وعشرين عاماً الماضية، كانت منخفضة جدا، وهذا أدى إلى زيادة الواردات مقارنة بالصادرات، وبالتالي لم يكن هناك كفاءة إنتاجية.
الانسحاب من الخاسرة
بناءً على ذلك، يعتقد الباحث، أن التركيز على موضوع الإنفاق الاستثماري وزيادة كفاءته وكفاءة إدارته واختيار المجالات المناسبة للاستثمار ولتوجيه أموال الإنفاق الاستثماري هو حاجة وضرورة للاقتصاد السوري، موضحاً أن البيان الحكومي ربما لامس ذلك عندما أشار إلى أن هناك مؤسسات في القطاع العام خاسرة وغارقة في الخسارة، وبالتالي، فإن الانسحاب من هذه المؤسسات والجهات الفاشلة هو تحدٍ حكومي واستثمار حكومي إلى حد ما، لافتاً أن الرغبة الحكومية في الانسحاب من المؤسسات الخاسرة ستكون عنوان المرحلة القادمة خلال عام 2025 وما بعدها.
عناصر مقيدة
وقال الدكتور محمد: “بالطبع، ناقش البيان الحكومي المؤشرات الاقتصادية كما هي، عندما أشار إلى أن الاقتصاد السوري يعاني من انخفاض في معدلات النمو الاقتصادي، ضعف الموارد، ضعف الإنتاج، ارتفاع تكاليف الإنتاج، وضعف مساهمة كافة القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يعكس الواقع الذي نعيشه منذ 14 عاماً على
الأقل، إضافة إلى ذلك،
وأشار البيان إلى أن معدل التضخم في سورية مرتفع، وهو نتيجة لتراجع سعر صرف الليرة السورية، على الرغم من الاستقرار النسبي خلال العام الأخير، ومعدلات التضخم العالمية، بالطبع نحن نعاني من هذا الواقع الذي وصفه البيان الحكومي، مع صعوبة توفر الكميات اللازمة من الطاقة، وهو التحدي الأهم، فالطاقة هي أساس الإنتاج، وإن لم تتوفر الطاقة فكل العناصر الأخرى ستكون غير موجودة أو مقيدة”.
حوكمة سليمة
وأكد الباحث الاقتصادي أن كل ما ذُكر سابقاً، مع الرغبة الحكومية في تنمية النشاط الاقتصادي والاعتماد على المشاريع الصغيرة والمتوسطة، هو أمر جيد قد يدفع الإنتاج قدما خلال الفترة القادمة، وما تقوم به الحكومة قبل البيان الحكومي وخلاله، وما يظهر من رغبة في حوكمة الجهاز الحكومي، هو أمر بالغ الأهمية، ولابد من فصل الإدارة عن الملكية، ولكن الحوكمة السليمة ووجود مجالس إدارات سليمة إن أُقرت وأصبحت فعالة في جميع المؤسسات والمديريات والجهاز الحكومي ككل، هو أمر يبعث على التفاؤل في الشق الإداري، وإذا ترافق ذلك مع مراجعة سياسات الوظيفة العامة كما أشار البيان الوزاري، فإن هذا الأمر سيكرس نوعا من الإصلاح الإداري الذي طال انتظاره، والذي تعمل عليه وزارة التنمية الإدارية منذ أكثر من سبع سنوات، وإذا كانت هناك خطوات متسارعة في هذا الاتجاه، فسيكون له مردود إيجابي على الصعيد الإداري.
فساد متغلغل
وبين الدكتور محمد أن الحديث عن محاولة ترسيخ مبادئ النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد هو المحور الأساسي في الفترة القادمة، فالفساد متغلغل، كما أشار البيان الحكومي، وكما نقول نحن، وكما يشاهده المواطن، والقضاء على الفساد ومحاربته والحد منه إلى أقصى قدر ممكن هو أمر بالغ الأهمية، لأن كل هذه العوامل إذا تضافرت يمكن أن تؤدي إلى تحفيز النمو الاقتصادي، وتحقيق العدالة في توزيع الدخل، واستثمار أفضل للموارد المستدامة.