هل المدينة ـ أي مدينة ـ غول من إسمنت وحديد ومصارف ومحال تجارية صارت الآن (مولات) لا يعنيها إلا ما يصب في خزائن تجارها ومصارفها ..ليلها صخب وضجيج وتجارة تطحن كل شيء..؟
هذا كله صحيح في معظم مدن العالم ولكن لا يعني أنها لا تصنع لمسات جمال تزهو بها من مراكز ثقافية وإبداعية وملتقيات وغير ذلك محاولة أن يخفق القلب قليلاً لئلا تبقى بلا قلب كما وصفها الشاعر أحمد عبد حجازي في أول دواوينه التي استعرنا اسمه ليكون عنواناً لزاويتنا هذه.
دمشق مدينة بألف بألف قلب وألف روح محلقة في السماء..ألم يقل محمود درويش: هنا ينام الغريب متكئاً على ظله ..؟
نعم ظله الإنساني المبدع الذي خلدته دمشق ..هنا القلعة والأموي والمكتبة الظاهرية، وهنا أقدم مراصد النجوم، وهنا أول مجمع لغة عربية وأضخم المكتبات الثقافية.
هنا بردى…هنا نزار قباني وبدوي الجبل وعمر أبو ريشة وهنا صدحت حناجر الجواهري والأخطل الصغير وشوقي وغيرهم في مديح جمالها.
إنها مدينة بقلب الإبداع والحبر والشعر، وإذا كانت بعض الإدارات التي لا تعرف كيف تصون هذا الإرث، فلا يعني أن ترف الجمال والإبداع قد توقف.
لابد من زجر من أهان الحرف والورق بالجرافة ونحن في موسم النور يشع من مكتبة الأسد أو غيرها.
دمشق صنو الخلود يهرم الدهر وتبقى شامخة عصية على أن ينزع قلبها أحد.
في الشام لا يجوع أحد ولا يتشرد أحد …هنا سر الله في مدارات كونه..
أما المدن التي بلا قلب فهي التي يقول فيها أحمد عبد المعطي حجازي:
بمرارة: (أواجه ليلى القاسى بلا حبّ \ وأحسد من لهم أحبابْ \ وأمضى فى فراغ بارد مهجورْ \ غريبٌ فى بلاد تأكل الغرباء \ طرقتُ نوادى الغرباء لم أعثر على صاحبْ \ وكان الحائط العملاق يسحقنى \ ويخنقني». «السجن»، حيث نقرأ: «والسجن ليس دائماً سوراً وباباً من حديدْ \ فقد يكون واسعاً بلا حدودْ \ كالليل كالتيهِ \ نظلّ نعدو فى فيافيهِ \ حتى يصيبنا الهمودْ \ وقد يكون السجن جفناً قاتم الأهداب نرخيهِ \ وننطوى تحت الجلودْ \ نجترّ حلم العمر فى صمتٍ ونخفيهِ \ وأن نعيش دون حبّ، دون إنسان ودودْ.
أعيدوا قلب مدينتنا تحركوا ..افعلوا شيئاً المال ليس كل شيء نحن البداية ونحن المبتدأ والخبر..)
وقل هي الشام لا خمر ولا جسد حتى ولا الزينتان المال والولد.