الملحق الثقافي-حسين صقر:
يعيش الناس يومهم دون التفكير بمستقبلهم الدنيوي، ومستقبل أولادهم، وتكون النتيجة بالتالي تجمد العقول وعقم المعرفة في المجتمع والدول، وبالتالي عدم القدرة على الإنتاج، والسبب في ذلك احتكار المعرفة،
هذا الموضوع إشكالي في الغالب، حيث يقول مؤيدوه: إن احتكار المعرفة يدعو لارتباط الأشخاص بالإنسان الخبير والعارف، ويجعلهم يطلبون مشورته بشكل دائم، وهذا قد يكون نوعاً من الأنانية، فيما يقول معارضوه: إن احتكار المعرفة هو الطريق المؤدي إلى الجهل، لأن الأجيال تكبر وتنتهي وتموت، وإذا لم تورّث تلك المعرفة ينتهي بالمهنة أو الحرفة سواء أكانت يدوية أم إبداعية إلى الزوال.
وبالتالي فقدان القدرة على العطاء والتطور والإبداع، والاحتلال العثماني، حسب ما أذكر في مادة التاريخ أنه عمل على ترحيل كل أصحاب المهن اليدوية، ومنها صناعة القيشاني مثلاً إلى بلاد أتاتورك كي يقطعها بشكل كامل من الشام، ما يعني أن العمل على احتكار المعرفة هو فكر استعماري، يجب ألا نعمل به، وأن نورث كل ما نعرفه للأجيال التي تعقبنا، وكمثال على ذلك يقول أحد محرري صحيفة الأهرام المصرية في مذكراته: إن كل محرر يصلح فيها أن يكون رئيساً لتحرير الصحيفة، وأن العلم ليس حكراً على أحد، ويجب على من كل من سبق أن يعلم الخلف.
فالكثير من الشباب اليوم يفقدون الخبرة، بسبب عدم تعليم من سبقهم لهم، نتيجة خوف الأخيرين من تفوق هؤلاء، وهو هاجس ليس صحيحاً، لأن الإنسان يقضي عمره في العلم والتعلم وطلب المعرفة، والفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت قال: كلما تعلمت شيئاً اكتشفت جهلي، والمقصود أن هناك أموراً كثيرة يجهلها لمجرد معرفته بها لأول مرة.
وبدل من أن ننقل لأجيالنا عادات عفى عليها الزمن، لأنه يكفينا ما نحن فيه، لماذا لا ينقل كل من يمتلك تلك المعرفة لذلك الجيل، ما دمنا نؤمن بأن المجتمعات العربية لم تكن ذات يوم سوى مناخ خصب للإبداع المعرفي، وتؤمن أن الدافع الأساسي للإبداع عند الإنسان بشكل عام هو البحث عن السّعادة في الدنيا، والوصول اليها، ولاسيما أن المتأمل لكل الأبحاث العلمية والاختراعات، يجدها تصبّ كلها في اتجاه سعادة الأفراد والجماعات، سيارة.. طائرة ..هاتف..حاسب وكل ما من شأنه إسعاد البشرية وتشميلها بالرفاهية، لكن عندما يتم قتل هذا الدافع عند المجتمع عموماً، يصبح هذا المجتمع معاقاً فكرياً وعقيماً، وفاقداً للقدرة على الإبداع.
هذا مع كل أسف ما يتم فعله في المجتمع العربي، وكثيراً ما نرى من يحتكرون المعرفة، حيث الأب لاينقل ما يسمى بسر المهنة لأبنائه، إلا على مضض وبعد أن يدرك أن أيامه قاربت على الاتتهاء وشمسه آلت للأفول.
إن البحث عن السعادة هو العامل الرئيسي للتطور والصيرورة، والسعادة لاتأتي إلا بالتكامل، لأن الناس يكملون بعضهم، وهذا الفكر والاعتقاد يسهم بنقض ما سعى لإعماله وترسيخه المستعمر، باحتكاره الحقوق العامة لمصلحة طغيانه، لأن الناس العاديين لن يطالبوه بما حجب عنهم نتيجة ذلك الطغيان، ونسيانهم أن ذلك من أبسط حقوقهم.
وحدها العقول النخبوية تضمر أو تعلن، رفضها لذلك، وتعمل للبحث عن مفاتيح الحلول للنهوض والتحديث والتقدم.
العدد 1211 – 29 – 10 -2024