الثورة- حسين صقر:
اعتقاد الحق المطلق في فكرة وحصر المعرفة المطلقة في شخص أو مؤسسة، يجعل من تلك العقلية قوة ضاغطة بشكل كبير على نفسية الفرد وأعصابه، وهو ما يسوقه بشكل كبير للعدائية بكل صورها «فكرية، نفسية، لفظية» وقد تصل في بعض الأحيان إلى الحقد والكراهية وربما المواجهة التي تحمل أبعاداً مختلفة.
واحتكار المعرفة سواء في بيئة العمل أو الدراسة، سلوك سام يعيق التقدم بشتى المجالات، ويشعر الآخرين بالإقصاء والتهميش، رغم أهمية تشجيع مشاركة المعرفة ضمن أجواء إيجابية فيها روح التعاون.
«الثورة» التقت بعض الفعاليات من بيئات مختلفة والتي عبرت عن أهمية نقل الخبرات للغير وعدم احتكارها لدى شخص ما، لأن ذلك يعيق التطور ويهدم بنيان المجتمع.
تعزز الثقة بالنفس
السيدة حسناء أبو حلا قالت: اعتدت أن أنقل لأولادي كل ما أعرفه من قيم ومبادئ وعادات أصيلة، وهو ما يجعلهم أشخاص أقوياء فاعلون ومؤثرون في المجتمع، يعرفون مالهم وعليهم، وكيف يواجهون الحياة بحلوها ومرها، وكيف يعالجون المواقف التي تواجههم، هذا بالإضافة لرغبتي بتعليمهم كل ما أعرفه من تدبير منزلي، وذلك بهدف إدخالهم معترك الحياة بسهولة ويسر.
وأضافت ليس شيئاً من القسوة أن نجعلهم يعتمدون على أنفسهم، من خلال تعريفهم بما يلزم، ونقل الخبرات التي تعلمناها من خلال أحاديثنا والقصص التي حصلت معنا ذات يوم.
ضعف بالشخصية
من ناحيته قال حسن تميمي وهو موظف: إن احتكار المعرفة يضعف شخصية الطرف الآخر ويجعله اتكالياً، ونوه بأن التقى بالكثير من الناس، منهم من يحفز غيره ويدعمه، بل ويقدم له كل الأسباب لينجح ويكون جزءاً من نجاح مؤسسته، ومنهم من يجد أن نجاح الآخر يشكل خطراً عليه، وقد يلغيه تماماً فيلجأ لسياسة الاحتكار لحماية نفسه وحتى يبقى هو المتسيّد.
الإنسان الناجح يدعم غيره
ولهذا يعتبر ماجد حمود وهو مدير في إحدى الشركات أن تبادل الخبرات ومشاركتها نقطة قوة لا ضعف، والإنسان الناجح من يكون داعماً لغيره، ومصفقاً لنجاحات زملائه، إضافة إلى أن المنافسة الشريفة في رأيه سبب مهم للتطور والتميز فلا أحد يستطيع أن يلغي أحداً.
الاحتكار يهدف للتسلق
من جانبها ترى ثراء الحاج وهي طبيبة، أن البعض أصبح يتسلق على نجاحات غيره ويجزم أنه الأحق، وأن مصلحته فوق كل اعتبار، فلم تعد تعنيه الصداقة أو الزمالة، ولهذا يرى بنقل خبراته ضرراً لنفسه، وأشارت إلى أنها تعرف نماذج كثيرة مميزة بعلمها وخبرتها، تنقل خبراتها بكل بساطة، لمعرفتها في نفسها وثقتها بها، وبذات الوقت وصلت إلى ما تصبو إليه، نتيجة تشجيع الآخرين، ولهذا تفضل تلك النماذج، نقل الخبرات لغيرها، لأن كان هناك من نقلها لهم.
وتساءلت الحاج، فما المتعة في أن يكون الشخص وحده الناجح، ولماذا؟! ولهذا تشجع تبادل الخبرات والمعرفة، وكسر الاحتكار من خلال البحث المستمر وعدم الاستسلام لأنانية البعض، الذين ينظرون إلى زملائهم بشيء من الدونية والفوقية، ويهتمون بأنفسهم ومصالحهم فقط.
احترام للذات والإنسانية
من جانبه يؤكد وفيق إبراهيم أن نشر العلم والمعرفة قوة وعطاء لا يعرفهما إلا الواثقون بأنفسهم، والذين يمتلكون قدراً عالياً من تقدير الذات واحترام الإنسانية، ومن ينحون هذا الاتجاه يتغلبون على ظاهرة أو مشكلة الاحتكار، من خلال تربيتهم بمنازلهم، ولهذا يقومون بغرس مبادئ التفاعل والتواصل العلمي والعملي مع الآخرين وتبادل المعارف والأفكار.
رأي علم النفس
وفي هذا الإطار قالت الاختصاصية النفسية مجدولين سعد: إن من يحتكرون الخبرات ولا يريدون منحها للغير، يعانون خوفاً مرضياً من نجاح الآخرين وتفوقهم، ويربطون هذا النجاح بفشلهم، ولهذا تراهم يخفون أبسط المعلومات عن زملائهم، بل وتراهم ينتقدون كل ما يقدمونه بهدف إحباطهم وقتل روح المبادرة والنجاح لديهم، لظنهم بأن وجودهم بالعمل هو الذي يغنيه وغيابهم يفشله، وأن من سيقوم بدورهم لن يستطيع تقديم ما يقدمونه هم.
وأضافت سعد إن من أسوأ ما يواجهه الناس في بيئات العمل «تعمد» إخفاء المعلومة من البعض عن زملائهم، موضحة أنه في أدبيات الإدارة يسمى ذلك «Information hoarding» وهي مشكلة حجب المعلومات، سواء كانت بتعمد أو بسبب سوء إدارة، وعن هذا الواقع تقول: قول إنه من الطبيعي أن تنقص معلومة معينة، نتيجة الاحتكار، وسرعان ما نحاول تفادي غيابها، لكن من غير الطبيعي أن يتم ذلك بسهولة.
ودعت الاختصاصية النفسية كل من لديهم الخبرات والمعارف سواء في العمل أو المنزل أو على صعيد حل الخلافات الاجتماعية أن يبادروا لنقل معلوماتهم وخبراتهم لمن يعقبهم وفي ذلك تنمية للمجتمع والفرد ومساهمة كبيرة في بنائه وإعماره وكل من مكانه.