الثورة – يمن سليمان عباس:
لعل أول الدول التي تنبهت إلى خطر السينما وسطوتها، كانت الولايات المتحدة الأميركية التي عملت على تطويع السينما لخدمة سياستها الخارجية، وكانت هوليود في رأس القائمة، وقد استجابت للأمر ومضت به.
فغدت السينما سلاحاً ناعماً يغزو العالم حيث يستطيع.. له اقتصاده وسياسته ونفقاته.
الدكتور حسين الخطيب في كتابه الجديد الصادر عن الهيئة العامة للكتاب تحت عنوان: “اقتصاديات السينما بين العلم والتطبيق”، يغوص في هذا الموضوع المهم جداً.
وفي تقديمه للكتاب يقدم الكثير من الآراء المهمة حول السينما كفن وسلاح واقتصاد.
علم حديث
يرى الخطيب أن الاقتصاد السينمائي هو علم حديث، بدأ الاهتمام به بعد أن تنبهت الدول المتقدمة في هذا المجال إلى أهمية الفنون بشكل عام والسينما بشكل خاص، وذلك لما لها من تأثير في الرأي العام ورواج كبير في المجتمعات. ويمكن القول إن هوليود هي أول من تنبه لهذا الأمر، بسبب الأثر القومي الكبير لدور السينما في الاقتصاد والمجتمع، وبسبب انتشارها الواسع وقدرتها على ترسيخ مفاهيم السياسات الحكومية المراد إيصالها، وتوثيق تاريخ الشعوب ونزعتها القومية ناهيك عن الدور الكبير في دعم الدخل القومي للدول.
ولعل أميركا تحتل الصدارة في امتطاء صهوة الفن والثقافة لخدمة مصالحها وإيصال سياساتها ومفاهيمها الوطنية، وهذا ما دفع المحللين السياسيين إلى إطلاق مفهوم “الدبلوماسية السينمائية” وهو استخدام الدول الأفلام السينمائية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية من خلال تقديم نفسها للجماهير وبناء صورتها الذهنية، لذلك تطور مفهوم “الدبلوماسية السينمائية “ليحتل مكانته المهمة في شبكة مفاهيم تستهدف تطوير النظم الدبلوماسية، وزيادة قوة الدولة الناعمة، وتحقيق أهداف سياستها الخارجية. الدبلوماسية السينمائية تسهم في ما أطلقت عليه هيلاري كلينتون “القوة الناعمة الذكية”، لذلك قامت وزارة الخارجية الأميركية بكثير من الأنشطة لإنتاج أفلام تحقق أهداف السياسة الخارجية الأميركية، وتوفير التمويل لأفلام روائية ووثائقية، لذلك عقدت وزارة الخارجية الأميركية حلقة نقاشية ضمت ٢٥ شخصاً من خبراء السينما وصناع الأفلام لاختيار ٣٥ فيلماً تقوم السفارات الأميركية في العالم بعرضها على الجمهور في الدول الأجنبية.
مثال على ذلك إنتاج أفلام عديدة تريد أن تبعث من خلالها برسالة للعالم بأنها حاملة لواء الإنسانية وحقوق الإنسان، أو أن الجندي الأميركي بطل خارق يحارب الظلم والإرهاب، وينقذ العالم بأسره، وتنفق ملايين الدولارات لهذه الغاية.
لكن رغم كل تلك الملايين والمتعة وتصدير الأبطال والنجوم لكل العالم، وشغف المعجبين بهم مثل أبطال سلسلة المنتقمين والذين طالما كانوا الأبطال الخارقين الذين ينقذون العالم من الكوارث والأشرار، وكابتن أميركا الجندي الأمريكي الشجاع الذي مهمته إنقاذ العالم من المخاطر، فرغم كل ذلك لم تستطع السينما الأمريكية أن تغير من نظرة بعض المفكرين لسياستها الخارجية ولكن على المستوى الفني والاقتصادي استطاعت السينما الأمريكية أن تتربع على عرش هذه الصناعة بامتياز.
قال الأديب الروسي مكسيم غوركي الأمريكان يمتلكون كل شيء يتمناه الإنسان، إلا أنهم يفتقرون للإحساس بالإنسانية.
وكذلك عندما دخل الأديب الإيرلندي أوسكار وايلد ميناء نيويورك واستوقفه شرطي الجمارك ليسأله هل لديك ممنوعات؟! فأجابه وايلد “نعم، أحمل إنسانيتي معي”!
ورغم هذه الآراء إلا أنها لم تؤثر على جماهيرية أفلام هوليود، ولم تؤثر على جمهور بات مان وسبايدر مان وكابتن أمريكا ولازال شبابنا يحتفظ بصور للمنتقمين ويتأثر بهم، ويعتبرهم مثله الأعلى.
يقول أستاذ الدبلوماسية العامة نيكولاس كول إن نجوم السينما الأميركية أصبحوا يتمتعون بالشهرة والإعجاب في كثير من دول العالم، لذلك فإنهم يقومون بدور دبلوماسي مهم في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأميركية وفي بناء القوة الناعمة.
وقد تمكنت بعض الدول من تطوير تجاربها في استخدام الدبلوماسية السينمائية، وتعد التجربة الألمانية تجربة مثيرة للاهتمام، إذ عملت ألمانيا على تقديم نفسها للجمهور في أستراليا وبناء صورة إيجابية لها، لذلك يقوم معهد جوته بإقامة مهرجان سنوي للأفلام الألمانية في أستراليا، وتهدف إدارة المعهد من ذلك لتقديم الثقافة الألمانية بشكل مرئي ومؤثر عن طريق استخدام الدبلوماسية السينمائية.
وهنا ربما يسأل سائل: ما شأن السياسة بالاقتصاد بصناعة الترفيه والسينما؟ فالإجابة السينما هي كل ما سبق “سياسة واقتصاد وتجارة وصناعة وترفيه وثقافة”، نعم السينما ممكن أن نقول إنها الصناعة الأشمل في جميع المجالات، عندما تقوم الحكومة بتمويل أحد المشاريع السينمائية لهدف معين ربما إنساني أو اجتماعي أو تعليمي أو سياسي فهذا يعتبر من أوجه الاقتصاد السينمائي.