الثورة – طرطوس – لجينة سلامة:
من حمص مدينة الحياة والثقافة جاء الفنان عبد الكريم عمرين مصطحباً أدوات عمله ونصاً مسرحياً حمّله مضامين تقضّ مضجع المواطن على أرض مازالت تئن من حرب جاءت على الجميع من دون استثناء، ولم تترك أحداً خالياً من ندبة، إن لم تكن في البدن فبالروح.
مونودراما سقوط الحصان
وعلى طاولة خشبية (مسرح على الطاولة), جلس المسرحي وراح يسرد إحداثيات نصه الجغرافية والحياتية وانتشرت رائحة الضبع النتنة ورائحة البارود المحزنة رائحة الحرب، راح يروي أحداث الحكاية بسلاسة دخلت العقول قبل القلوب وبنبض حي زاخر بالمشاعر المتناقضة والمختلفة الصدى في نفوس الجمهور النوعي الذي تابع تفاصيل الرواية مسرحياً، وقد أنجزها “عمرين” بحرفيّة استخدم فيها رخامة صوته ورصانة لغته الأم لمصلحة شخصيات مونودراما “سقوط الحصان”.. والتي لعب أدوارها عمرين على خشبة قومي طرطوس برعاية وزارة الثقافة- مديرية المسارح والموسيقا، من تأليف فرحان بلبل وإعداد عمرين وأدائه الذي قدّم عرضاً مسرحياً كاملاً أغناه المستوى الثقافي للمتلقين على اختلاف شرائحهم، والذي تقبّل البعض منهم هذا النوع من العروض فيما لم يستثيغه البعض الآخر.
عرض مسرحي بأدوات بسيطة وإكسسوارات غير مكلفة وبلا موسيقا مرافقة اجتهد فيها المؤدي على تنشيط خيال المتلقي على قاعدتي اللغة والأداء الصوتي ليعطي العمل مشهدية جمالية إلى جانب الجهد الإبداعي المؤدي الذي يَعتبر أن العرض رسالة لإحياء اللغة العربية وعلاقتنا بها وما تنتجه من معان وأخيلة وجمال داخلي/ بعد أن سرقت الصورة خيال الإنسان وتفكيره/ وكذلك السوشيال ميديا فعلت والإعلام البغيض وستفعل لاحقا تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
كما يَعتبر عمرين أن “مسرح على الطاولة” عرض مختلف ناقص يشبه إلى حد بعيد شقة سكنية غير مكتملة الإكساء، ولا يكتمل إلا من صنع مالكها، وهو المتفرج، وهو الأمر الذي يفعّل خياله ويغنيه.
لقد آثر عمرين أن يقدّم عرضاً غنياً بالمحتوى فقيراً بالأدوات، واستغنى عن التكنولوجيا الحديثة التي تسرق عقل الإنسان المعاصر وتسلبه بالكامل، كما تفعل تكنولوجيا المسرح على حد قوله عبر الإضاءة الالكترونية والموسيقا وعبر الفضاء المسرحي المبهر والمشهدية والتي تهدف أولاً وأخيراً إلى الإبهار عبر التزويق والتنميق، وذلك كله على حساب اللغة والفعل الدرامي والحكاية.
إنها التكنولوجيا أي تكنولوجيا المسرح والكلام للفنان عبد الكريم, التي تسرق أو تقتل تلك الحميمية بين الخشبة والمتفرج ولا تقدًم في أحسن حالاتها سوى شجن إنساني مبتور ومنعزل، فالناس اليوم باتت تقرأ الصور وتتفرّج على الكلام حسب قول المؤدي، والذي يجد في (سقوط الحصان) محاولة منه لإحياء المتلقي من خلال القص أو الروي الفني ومن خلال المؤدي الذي يسرد الحكايات الدافئة.
مونودراما مواطن مجروح
عرّج عمرين في هذه المونودراما على واقع مواطن مجروح في وطن مجروح عاجز عن التفكير، وكيف كان وعلى ماذا أمسى وكيف أثرت عليه الحرب وغيّرت من أحواله وخساراته لأفراد عائلته وتجارته وممتلكاته، واضطراره للعمل في عدة مهن لم يكن ليوم أن يجيدها أو يمتهنها وكل ذلك عبر توجيهات أستاذه الجامعي الذي مات ولم يستطع أن يؤمّن له مهنة يعيش من دخلها.
لقد طرحت المونودراما قضايا جوهرية لامست المواطن السوري في زمن الحرب وسقوط الأقنعة والمفاهيم التي تغيّرت عبر سنوات ليس بالإمكان تجاوزها بسهولة، بل كانت درساً قاسياً على الجميع، ومنهم التاجر المنكوب شاكر الذي لم يكن ليتحمّل مواقف قد تكون أصعب من موت أحبته، كأن يسقط الحصان الأصيل أو ينهار أمامه الجبل الشامخ.. ويموت الأستاذ عماد تاركا شاكر بلا مهنة تليق به، فكل مهن البشر عادية وغير فريدة، كما يرى شاكر- وليس بالسهولة- أن يأخذ الإنسان أدواراً أو مهناً للحيوانات أيضاً، كأن يكون كلباً جائعاً أو متكالباً على الآخر، أو أن يكون ذئباً شرساً ليستقر على مهنة الضبع ولكن بأنياب وأظافر مقلوعة.