جاك وردة.. رائد فن النحت في سورية

الملحق الثقافي- نداء الدروبي:
ظهرت أسماء نحاتين مهمين على الساحة السورية، وكانت حلب كعادتها سبَّاقة إلى قيادة الحركة التشكيلية الرائدة، ومن بين النحاتين الأوائل الفنان (جاك وردة)، الذي بحث في الجانب التقني الواقعي للمنحوتة، ما أعطى بعضها نوعاً من الجلالة ودفء المشاعر الحسية.
ومن المعروف عن فناننا جاك وردة أنه ولد في قرية ماردين بمحافظه حلب، الواقعة في جنوب شرق آسيا الصغرى، وكانت تابعة لمدينة حلب في أيام الاحتلال العثماني.
وفي مطلع عام ١٩٣٠ توجَّه إلى باريس لدراسة النحت؛ إلا أن ظروفه المادية السيئة حالت دون إتمامه الدراسة فعاد إلى سورية عام ١٩٣٢، وعمل مُدرِّساً للفن في أكثر من موقع، مع مثابرته على أعماله النحتية خلال أوقات فراغه.
وفي عام ١٩٥٠ شارك في أوَّل معرض للفنانين السوريين الذي أقامته وزارة المعارف ومديرية الآثاروالمتاحف في متحف دمشق، وحصل فيه على أكثر من جائزة. وعندما تأسَّست كلية الفنون الجميلة في دمشق عُيِّنَ مدرِّساً فيها، وفي تلك الفترة أقام أوَّل معرض فردي لأعماله النحتية في صالة المركز الثقافي العربي بدمشق وضمَّ اثني عشر عملاً نحتياً أهمها منحوتة «العذارى.. الطائشات.. زوبعة الربيع».
وخلال عمله في جامعة دمشق بمطلع الستينات تعرَّض للكثيرمن الانتقادات المضادَّة لأعماله وخاصة بسبب اتجاهه الفني الواقعي الصريح، إضافةً إلى تجاهل مكانته كمدرس لمادة النحت في الكلية، ومضايقة بعض الفنانين الأكاديميين المصريين القادمين من مصر للتدريس في الجامعة له زمن الوحدة مع مصر.
ومن إحدى روائع النحات جاك وردة (الهجرة من الوطن). وبسبب الأحداث السياسية آنذاك، وشعورالفنان بأنه يخسرموهبته قرَّر الهجرة.. وفي عام ١٩٦٤ باع مشغله في مدينة دمشق، وحاول نقل منحوتاته إلى ألمانيا، التي تعرَّض أكثرها للتلف أثناء نقلها عن طريق البحر، حيث استقرَّ في ألمانيا لمدة قصيرة، وبعدها انتقل إلى باريس العاصمة الفرنسية سنة ١٩٦٦، إذ استقر فيها محاولاً تطوير تجربته الفنية من جديد، والاستفادة من الخبرات الأجنبية في باريس، وهكذا حاول النهوض بواقعيته الفنية أكثر؛ لكن للأسف توفى بعد مدّة في ظروف شبه غامضة بالعام ذاته.
ومن المعروف أن له الكثير من أعمال الفسيفساء في العديد من كنائس دمشق، بالإضافة إلى أنه صمَّم النصب التذكاري لشهداء جبل العرب في مدينة السويداء، وأجمل منحوتاته تمثال أبو فراس الحمداني عند المدخل الرئيسي لحديقة حلب العامة، حيث أبدعه الفنان بإزميله بكلّ دقة واقتدار، وإلى جانب ذلك كان جاك وردة صاحب المغامرة النحتية الرائدة، المحفوفة بالغموض.. ذلك أن الحضور القوي لهذا النحات الرائد في تاريخنا التشكيلي لا يتناسب مع ضعف المعلومات عنه، وندرة الكتابات وحتى تناقضها أحياناً، مع أنه كان مشاركاً ودائم الحضور تقريباً في المعرض السنوي منذ عام ١٩٥١، ونال ثلاث جوائز فنية، بالإضافة إلى أنه كان عضواً في معظم التجمعات الفنية خلال الخمسينات حتى أن الناقد الدكتورعبد العزيزعلون في كتابه: (تاريخ النحت المعاصر في سورية)، الصادر عام ١٩٧٣ ، اعتبر أن وردة كان في هذه الفترة (واحداً من أبطال الساح)، وقبل ذلك وصفه الدكتور عفيف البهنسي في كتابه :(الفنون التشكيلية في الإقليم السوري الصادر في عام ١٩٦٠) بأنه (من أوائل الذين عملوا في مضمار النحت في الإقليم الشمالي).
مع ما سبق فإننا لا نعرف شيئاً عن طفولته ونشأته سوى أنه ولد في قرية ماردين، وهناك بعض المصادر التي تتحدث عن أنه درس النحت في باريس، كما تتحدث بعض النصوص عن تأثر جاك وردة بأعمال النحات الفرنسي الشهير أوغست رودان، لكننا وللأسف لا نجد معلومات عنه على امتداد العقدين الفاصلين بين عودته من باريس، ومشاركته لأول مرة في المعرض السنوي عام ١٩٥١، والذي نال فيه الجائزة الثالثة عن منحوتته (الأمومة)، كما أننا لا نجد معلومات موثقة عن تدريسه النحت في كلية الفنون الجميلة عام ١٩٦٠.. في حين يكتفي كتاب (إحياء الذاكرة التشكيلية في سورية)، الصادر عن احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية عام ٢٠٠٨، بالقول: (إنه درس النحت في كلية الفنون الجميلة بدمشق).
تحدثت إحدى النصوص على موقع إلكتروني عن تعرُّضه لكثير من الانتقادات المضادة لأعماله وخاصة بسبب اتجاهه الواقعي الصريح، ومضايقة بعض الفنانين الأكاديميين المصريين له؛ لكن هذا النص لا يشير إلى مصادره، ولا يبدو أنه جاء من منطلق توثيقي إذ يخلط بين ما يقوله عن انتقادات في كلية الفنون، وبين ما هو متداول عن انتقادات طالت وردة إثر معرضه الفردي الأول، بعد ذلك بأربع سنوات عام ١٩٦٤، وأيضاً فإننا لا نجد شيئاً مدوَّناً من هذه الانتقادات.
وفي حين يبدو مفهوماً الاعتراض اجتماعياً على تماثيل تُجسِّد أشخاصاً عراة بالحجم الطبيعي أو قريباً منه فإنَّ افتراض أنَّ هذا الاعتراض وصل إلى النصوص النقدية المنشورة لا يبدو ممكناً ثقافياً، وخاصةً في ذلك الزمن الذي هو امتداد للسنوات التي شهدت عرض وحفظ تمثال المرأة المفكِّرة العارية لفتحي محمد، واقتناء المتحف الوطني بدمشق عدداً من المنحوتات العارية لجاك وردة، كما يضيف كتاب (احتفالية العاصمة الثقافية) معلومة ثانية ملتبسة لجاك وردة بأنه صمم النصب التذكاري لشهداء جبل العرب في السويداء، وذلك أن هذا النصب قد أُنجزمرتين متتاليتين بنسختين متباينتين.
أما التمثال الذي لا لبس فيه هو(أبو فراس الحمداني)، والذي حقاً نفًّذه الفنان مطلع الستينات بين عودته إلى حلب؛ ومغادرته إلى أوروبا.. وعنه يقول الفنان يوسف عقيل:
(هو وجه فارس مليء بالرجولة، ولكن في الوقت ذاته لديه النظرة الحالمة للشاعر.. رغم أن هذا العمل لا يصل لمرحلة الإبداع الفني، ولكنّه يصل لأعلى مراحل الوجدان والإتقان في العمل، والحرص على إبراز الجمال).
كما يعتبره الناقد محمود مكي:
(من أهم منحوتاته.. منحوت بأسلوب ينتمي إلى المدرسة الواقعية، وهوعمل مميزفي الحركة التشكيلية في سورية من مختلف النواحي والمستويات، وهو الأول من نوعه في هذا المجال).
شارك جاك وردة في المعرض السنوي لأول مرة في دورته الثانية عام ١٩٥١، وكان أول معرض سنوي يُقدِّم جوائزفي النحت، وقد نال الجائزة الثالثة بعد محمود جلال وألفرد بخاش وعدنان الرفاعي، وفي معرض ١٩٥٣ نال الجائزة الأولى، تلاه ألفرد بخاش وعدنان الرفاعي، وقد استمر بالمشاركة في المعرض السنوي باستثناء معرضي: ١٩٥٥ و١٩٥٧ لأسباب غير معروفة. وفي عام ١٩٥٨ شارك في معرض رابطة الفنانين السوريين للرسم والنحت بمنحوتته (لهفة)، والتي تعتبر نموذجاً لأعمال جاك وردة التي عرفناها، وكلّ ما نعرفه أن عام ١٩٦٥ كان آخر معرض فني له في سورية وربما خارجها أيضاً، وبعدها انقطعت كلّ أخباره منذ سفره إلى ألمانيا..
ونحن إذ نُسلِّط الضوء عليه ونذكره فذلك لأنه رفع اسم سورية عالياً بفنه وتجربته الرائدة الفريدة.
                          

العدد 1213 – 12 – 11 -2024 

آخر الأخبار
بقيمة 2.9مليون دولار.. اUNDP توقع اتفاقية مع 4 بنوك للتمويل الأصغر في سوريا حمص.. حملة شفاء مستمرة في تقديم خدماتها الطبية د. خلوف: نعاني نقصاً في الاختصاصات والأجهزة الطبية ا... إزالة مخالفات مياه في جبلة وصيانة محطات الضخ  الألغام تهدد عمال الإعمار والمدنيين في سوريا شهادة مروعة توثق إجرام النظام الأسدي  " حفار القبور " :  وحشية يفوق استيعابها طاقة البشر  تفقد واقع واحتياجات محطات المياه بريف دير الزور الشرقي درعا.. إنارة طرقات بالطاقة الشمسية اللاذقية.. تأهيل شبكات كهرباء وتركيب محولات تفعيل خدمة التنظير في مستشفى طرطوس الوطني طرطوس.. صيانة وإزالة إشغالات مخالفة ومتابعة الخدمات بيان خاص لحفظ الأمن في بصرى الشام سفير فلسطين لدى سوريا: عباس يزور دمشق غدا ويلتقي الشرع تأهيل المستشفى الجامعي في حماة درعا.. مكافحة حشرة "السونة" حمص.. تعزيز دور لجان الأحياء في خدمة أحيائهم "فني صيانة" يوفر 10 ملايين ليرة على مستشفى جاسم الوطني جاهزية صحة القنيطرة لحملة تعزيز اللقاح الروتيني للأطفال فيدان: الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا تزعزع الاستقرار الإقليمي الجنائية الدولية" تطالب المجر بتقديم توضيح حول فشلها باعتقال نتنياهو قبول طلبات التقدم إلى مفاضلة خريجي الكليات الطبية