ثورة اون لاين: مع أنهم اكتشفوا البعد «الثوري» للفياغرا أول الأمر في دار للمسنين، حيث جرى تجريبها في نزلائه كعقار لعلاج بعض أمراض القلب،
ثم لاحظوا التقارب الطوعي الشديد بين الذكور والإناث من هؤلاء المسنين الذين تحولوا إلى مراهقين وخلان في طرفة عين، إلا أنهم فيما بعد اكتشفوا أبعادا أخرى للعقار إياه نشأت فجأة وبالتداعي، واستولت على الاهتمام كله كالبعد التجاري مثلا، وتحولت الفياغرا إلى ثورة بأكثر من معنى.. لكن المسنين ظلوا مسنين وظل الموت يلتقطهم دون تغيير أو تأخير ولأسباب عجزت الفياغرا عن تفاديها أو «تثويرها»!!
كذلك «الربيع» العربي الذي اكتشف العرب ثورتهم فيه فجأة وبالصدفة، جاء كما لو أنه الفياغرا في دار المسنين، وكان سبباً رئيساً في تداعي الاكتشافات الارتدادية المتتابعة، منها مثلاً أن اليسار العربي القومي أو الأممي أفلس وانتهى أمره، وأن اليمين هو البديل ولو كان تطرفاً دينياً يكفّر الآخر أو يشطبه أو يركب ظهره.. رغم الإفلاس التاريخي لهذا اليمين عندنا وعند غيرنا من قبلنا، ومنها أيضاً أن الدم والخراب هما شرط الثورة وعنوانها وأهم دلائلها، ولم يتردد أصحاب هذا الاكتشاف الأخير في استعارة هذه الشروط من الثورة الفرنسية أو حتى البلشفية، ليقولوا لنا أن تلك كانت ثوراتهم وهذه هي ثوراتنا المستنسخة المنقحة، ودون أن يكشفوا لنا عن عفونة ذلك المستوطن في عقلنا تاريخيا وفي «الثورة» المتخفية وراءه. لكن نسي هؤلاء جميعا, مرة بالجهل ومرات بالتجاهل، مرة بالعمى المعرفي ومرات بالتعامي، أن ثمة ألف سبب وسبب لموت المسنين المتهالكين رغم الفياغرا، وأن ثمة ألف سبب وسبب أيضا لفشل الثورة رغم «ربيعها»!
شرط الثورة التغيير وليس الدم والخراب والفوضى، وشرط التغيير الوعي والترفع عما هو تحت وطني وليس الغرق والاستغراق فيه كالطائفية والقبلية والعائلية وغيرها، لأن التغيير حينذاك يتوجه إلى الوراء ولا يعود تغييراً بل انتكاساً، والديمقراطية ليست نتاجاً ثورياً بالضرورة وإن كان للعكس أن يكون صحيحاً، هنا يتساوى العجائز في دار المسنين بالعجائز في دار «الثورة والثوار» العرب اليوم، أولئك انقذتهم الفياغرا من علة ولكن لديهم ألف علة أخرى للفشل والموت، وهؤلاء أنقذتهم التي توهموها ثورة من علة.. ولكن لديهم في المقابل ألف علة أخرى.
وكما سيظل الموت آتياً غادياً بين جدران دار المسنين لعجز هذا وتوقف قلب ذاك، سيظل أيضا آتياً غادياً بين جدران «الثورة والثوار» لعجز استوطن هنا وقلب توقف هناك، فلا الفياغرا أعادت عجزة دار المسنين شباباً سوى للحظات، ولا «الثورة» بنفس مواصفات الفياغرا أرتقت أو سترتقي بالعرب فجأة إلى مصاف الحضارة ووعي الديمقراطية لطالما أن العجز والتخلف مستوطن كل الجسد، وإلا فكيف نفسر كل هذه الفوضى.. كل ذلك الدم والخراب.. كل ذلك العمى على مقومات الثورة والديمقراطية؟؟
خالد الأشهب