شركات تلو شركات تتلوها شركات، وكل ما يحيط بنا يتحول من شكله أيا كان إلى الشكل القانوني الوحيد المحبب بشكل عام وهو الشركات.
المؤسسات تتحول إلى شركات والهيئات تتحول إلى شركات وحتى الشركات نفسها تغير هويتها القانونية إلى نمط أخر أو توصيف أخر من الشركات، وهو حقيقة أمر جيد في اقتصاد صحي صحيح مزدهر دورة رأس ماله تنتج الأرباح والرواتب والأجور يمنة ويسرة، بدءاً من الإنفاق وصولاً إلى الإنفاق بعد إشباع الحلقات العاملة والتجارية تعويضا، ولكن في وضعنا الحالي ما الذي تقدمه كل هذه الشركات..!!
إن كان كل شيء يتحول إلى شركات، فذلك يعني أنها تحتاج نطاق عمل أو أنها تملك أساسا نطاق عمل، أو أن الساحة الاقتصادية تتسع لمزيد من الشركات حتى تتمكن دورة رأس المال من استيعاب كل هذه الشركات وتوقيتها وتسمينها بالأرباح وبجبهات العمل، أما في الوضع الحالي فما الذي ستعمله هذه الشركات.. ولمَ حوّلت أصلا إلى شركات..!!
إن كان لتخفيف الإنفاق الحكومي عليها، فهناك ألفا وجه ووجه لتخفيف الإنفاق بحيث تبقى كما هي، والأهم دون المساس بالقطاع الذي تتولى، بل من المؤكد أن تخفيف أوجه الإنفاق وتجفيف منابع الهدر (وهو التسمية اللبقة للتربّح) كل ذلك من شأنه أن يحول المؤسسات الخاسرة والمتوازنة إلى رابحة، أما تحويلها إلى شركات فما الفائدة المجنية من ذاك؟
الشركات عليها التزامات بدءاً من الضرائب وصولا إلى الإفصاحات والتكاليف الناجمة عن تغيير هويتها القانونية، وحتى تغيير الهوية القانونية يفرز تكاليف مادية غير هينة لإعادة تكوين الكيان الذي كان قائما والمنتظر لاحقا، وكل ذلك يرتّب التزامات مادية، في وقت ما من نشاط اقتصادي حقيقي يفرز الربح، بل إن كل ما نراه من ربح وتكديس أموال إنما هو ناجم عن الاحتكار ولا شيء سوى الاحتكار، بدءاً من قطع الغيار وصولاً إلى الألبسة مروراً بالأغذية وأدوات التجميل والأدوية، وكله ناجم عن الاحتكار ولا شيء سواه، وبالتالي من أين لهذه الشركات النهوض بكل تلك التكاليف الناجمة عن تحولها إلى شركات..!!
لابد من الخوف والترقب لأن المسألة هنا لا تخضع لقاعدة الاجتهاد والأجر، بل المسألة هنا تعني هوية اقتصاد ووجه اقتصاد وحياة المواطن ومستواه المعيشي، والقدرة الشرائية وثقل العملة الوطنية وإيرادات للخزينة وتكاليف تدفعها الحكومة من الخزينة كذلك، والتجارب السابقة ماثلة أمامنا بشكل لا يدع مجالا للشك..