الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
مرة أخرى، وضعت الولايات المتحدة نفسها في موقف معارض للمجتمع الدولي، ففي يوم الأربعاء الماضي، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة.
وهذه هي المرة الرابعة التي تستخدم فيها الولايات المتحدة حق النقض في هذه القضية، حتى مع ارتفاع عدد الضحايا في غزة إلى نحو 44 ألف قتيل.
وطالب مشروع القرار، الذي تقدم به الأعضاء العشرة غير الدائمين في مجلس الأمن، بوقف إطلاق النار الفوري وغير المشروط والدائم، فضلاً عن الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن. ومن بين الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن، كانت الولايات المتحدة هي الصوت المعارض الوحيد.
ويثير هذا التحرك الأميركي مرة أخرى السؤال التالي: كم عدد الأرواح البريئة التي يجب أن تُزهق في غزة حتى توقظ واشنطن ضميرها؟ والآن، قُتل ما يقرب من 44 ألف شخص في غزة، وما زالت الولايات المتحدة لا تتردد في استخدام حق النقض لصالح “إسرائيل”.
وقد شردت الحرب ما يقرب من 2.4 مليون نسمة من سكان غزة، الأمر الذي خلق أزمة إنسانية لا يمكن قياسها.
وباعتبارها عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فمن المتوقع أن تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية الحفاظ على السلام والاستقرار العالميين.
ومع ذلك، فإن أفعالها، التي اتسمت بإساءة استخدام حق النقض، تتناقض بشكل صارخ مع الجهود العالمية لتعزيز الحل السلمي للصراع.
إن نهج الولايات المتحدة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي جعلها معزولة على الساحة الدولية. حتى أن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية اعترفت بأن هذا يؤكد على عزلة واشنطن الدبلوماسية بشأن هذه القضية.
كما أعرب سفراء فرنسا والمملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة علناً عن استيائهم من حق النقض الأمريكي.
وقد صرح نيكولاس دي ريفيير، ممثل فرنسا لدى الأمم المتحدة، بشكل لا لبس فيه: “هناك إلحاح واضح لتنفيذ وقف إطلاق نار فوري وغير مشروط. هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان حماية جميع المدنيين وتسليم المساعدات الطارئة على نطاق واسع ودون عوائق”.
وقال نيو شين تشون، المدير التنفيذي لمعهد البحوث الصيني العربي بجامعة نينجشيا، لصحيفة غلوبال تايمز إنه لا شك أن الدعم الأميركي الثابت لإسرائيل لم يتسبب في انقسامات داخلية فحسب، بل خلق أيضاً خلافات مع حلفائها على الساحة الدولية، مما جعل الولايات المتحدة معزولة بشكل متزايد في الأمم المتحدة.
وتزعم واشنطن مراراً وتكراراً أنها تدافع عن حقوق الإنسان؛ ومع ذلك، يبدو أنها غير مبالية بالوضع في غزة.
وبينما يتفق المجتمع الدولي على الحاجة إلى الإفراج غير المشروط عن جميع الرهائن ووقف إطلاق النار الفوري، تواصل الولايات المتحدة الإصرار على الشروط المسبقة لوقف إطلاق النار ، حتى مع تجاوز العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة لفترة طويلة نطاق إنقاذ الرهائن. وهذا الموقف يعطي فعلياً الضوء الأخضر لإطالة أمد الحرب والتغاضي عن القتل المستمر.
إن استخدام الولايات المتحدة لحق النقض مراراً وتكراراً لا يشكل العقبة الكبرى أمام التوصل إلى وقف إطلاق النار فحسب، بل إنه يشكل أيضاً السبب الجذري وراء الخلل الوظيفي داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وباعتباره الهيئة الدولية الأكثر سلطة في العالم، فمن المتوقع أن يتحدث مجلس الأمن نيابة عن المجتمع الدولي وأن يدفع باتجاه استصدار قرارات تضغط على الطرفين لإنهاء الصراع.
ولكن إساءة الولايات المتحدة استخدام حق النقض جعلت المجلس عاجزاً عن التصرف بفعالية. وقد أصبحت هذه قضية متكررة تقوض مصداقية الأمم المتحدة وفعاليتها وتؤدي أيضاً إلى تآكل الثقة العالمية في الولايات المتحدة.
وفي مواجهة الموت والفقر والأزمة الإنسانية العميقة في غزة، تواصل الولايات المتحدة غض الطرف عن حياة هؤلاء الناس. وفي المستقبل، عندما يتأمل التاريخ هذه الفترة، سوف تثار أسئلة لا مفر منها: أين “حقوق الإنسان” و”القيم الإنسانية” التي تنادي بها الولايات المتحدة في كثير من الأحيان؟ وهل “حياة الفلسطينيين لا تهم حقاً”؟ وفي هذه المأساة، لم تخسر الولايات المتحدة قيادتها ومصداقيتها فحسب، بل أغرقت صورتها الدولية أيضاً في الدمار.
المصدر – غلوبال تايمز