الثورة – عبير محمد:
الإنسان بطبيعته الفطرية لا يمكنه العيش وحده من دون أشخاص من حوله، فيسعى دائماً للعلاقات الإنسانية مع الآخرين، لكن ليس بهذه البساطة لأن العلاقات البشرية تخلق جواً من المشكلات والمصلحة.. فهي ليست مجرد علاقات وإنما مليئة بالإحساس.
لا نستغرب عندما تشعر القنافذ بالبرد تبدأ بالبحث عن إخوانها وتتجمع وتقترب من بعضها لكي تلتصق بهم كي يشعروا بالدفء، إلا أن الشوك الذي على جسمها يجعل التقرب من أبناء جنسه مؤلماً، لأن الشوك سيؤذيهم فيقررون الابتعاد عن بعضهم ثم يشعرون بالبرد فيقتربون مرة أخرى.
راقب الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور في سنة 1851، موقف القنافذ واعتبرها من معضلات الإنسان الاجتماعية ووضع نظرية تسمى (معضلة القنفذ).
إن استخدام الفيلسوف الألماني شوبنهاور كاستعارة عن تحديات العلاقة الحميمية بين البشر.
لقد تلقت المعضلة اهتماماً لافتاً بتجربتها ضمن مجالات العلوم النفسية المعاصرة. كذلك جون مانر وزملاؤه (ناثان دويل، روي بويمستر، ومارك شالر) أشاروا إلى أن معضلة القنفذ لشوبنهاور عند تفسير نتائج من التجارب التي تدرس كيفية استجابة الناس للنبذ وغيره من أشكال الرفض الاجتماعي.
فن المسافة
يفتقر الكثير منا إلى نماذج التعلق الآمن أثناء رحلتنا في الحياة، لذلك الأمر متروك لنا للجوء إلى الخبراء والأمثلة الإيجابية التي انتقلت إلينا عبر الأجيال.
أحياناً تطرح الأشياء لإظهار الضعف، ثم التراجع. ولكن علينا عدم الاستسلام أبدًا. حيث الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها اختبار مرونتنا حقًا ومعرفة أنه لدينا القدرة على التعلم والتكيف والتطور من كل تجربة.
حتى لو كان من الممكن إدراك التجارب قصيرة المدى على أنها أخطاء أو ألم أو إخفاقات أو انتكاسات.
فالمسافات مهمة جداً في حياتنا حتى في عالم الطبيعة وحركة الكواكب مثل القمر عندما نقترب منه نراها حجراً، وعندما نبتعد نراه ضوءاً يضيء ليالينا.
والشمس والضوء عندما نقترب منها تحرقنا ولكن عند الابتعاد عنها تشعرنا بالدفء والحياة.
إذاً الاقتراب الكثير يؤذي، لكل منا طبعه ونزواته وخصوصيته فالنحافظ دوماً على مسافة تدعى مسافة الأمان.
هذه المسافة نحافظ فيها على سلامتنا النفسية من مشاعر وتفاصيل تخصنا وحدنا، فلا تسمح بتجاوزات وتدخلات تؤذينا وتدمرنا ببطء حتى لو كانت من أقرب الناس.
(عندما نفكر في الإجابة التي قدمها شوبنهاور نفسه لمشكلة القنفذ. اقترح شوبنهاور أن الناس يشعرون في النهاية بأنهم مجبرون على الحفاظ على مسافة آمنة من بعضهم البعض. وكتب: “بهذا الترتيب، لا يتم إشباع الحاجة المتبادلة للدفء إلا بشكل معتدل للغاية، ولكن بعد ذلك لا يتعرض الناس للوخز بالطبع.)
ذكاء المسافات
إن النجاح في أي علاقة يكمن في مسافة الأمان ، غالباً ما يشار إلى المساحة الخاصة باسم المساحة الشخصية، وهي مقدار المسافة التي يشعر الأشخاص بالراحة في وضعها بينهم وبين الآخرين. وبينما قد تختلف هذه المسافة من شخص لآخر وعدم التدخل بها.
فلا شيء في العلاقات ثابت فالحب يكون بمسافة الأمان ويلتزم بها الطرفان ووجود الاحترام المتبادل بذلك تصان العلاقات وتضمن بقاءها، فلا تقترب حتى لا يملّك الناس ولا تبتعد حتى ينسوك، إن إتقان فن المسافة يمكن إنقاذ العلاقات، فالمسافة بين الكلمات هي التي تجعلنا نفهم المعنى ونقرؤها بشكل صحيح، والمسافة تعطينا فرصة للتأمل والتفكير وتبعدنا من الإحباط، فعندما نحترم مسافات الآخرين تكون قد صنا العلاقة واحترمنا خصوصيتها، لكي نحافظ على جمال علاقاتنا علينا ترك مسافة أمان حتى نستمتع مع من نحبهم ونقدرهم لأنها مفتاح العلاقات الناجحة لعلاقات صحية وسعيدة.