هلال عون:
في حوار مع المستشار والخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش وعدد من رجال الأعمال السوريين حول الوضع الاقتصادي الحالي وسبل النهوض به، بدت الآراء متفقة حول إمكانية النهوض رغم الوضع المعقد لاقتصادنا، لكن النهوض أمامه عقبات، ويحتاج إلى أسس وشروط لا بد من توافرها.
التضخم وتأثيره على سعر الصرف
رأى د. عياش أن أهم أسباب التضخم هو تراجع الإنتاج والصادرات، وضياع العوائد الفعلية لتحويلات المغتربين، والتهريب، والاحتكار، ومنصة تمويل المستوردات، وتقييد السيولة، والمضاربة، وتجريم التعامل بغير الليرة، والأتاوات، والمصاريف المستترة ومحدودية الدخل، وتراجع القدرة الشرائية، ثم محدودية الإنفاق الاستثماري، وضغط الإنفاق الجاري الحكومي، وصولاً إلى الدين العام، والتمويل بالعجز، وعزز كل ذلك العقوبات والحصار، والفساد وسوء الإدارة.
أفضل نظم الصرف
وجوابا على سؤال عن أفضل نظم الصرف المناسبة لاقتصادنا قال: إن الأنسب لحالتنا هي طريقة سعر الصرف المرن والمرتبط بسلة عملات، بحيث يتحدد مجال لتغيرات سعر الصرف بين حدين أدنى وأعلى ويتدخل المركزي لإعادة التوازن عند تجاوز السعر لأحد الحدين.
صعوبات
وحول تفاؤل المواطنين الخاص بالدعم والتمويل، والاستثمار الخارجي بين د.عياش أن الوضع الاقتصادي صعب ومعقد، وأن التمويل المأمول مؤجل ومشروط، وبيئة الأعمال المحلية غير مهيأة وغير جاذبة للاستثمار، سواء المحلي أو المغترب أو الأجنبي.
أسباب تأجيل التمويل
رجل الأعمال مناف العياشي قال: إن البنوك التركية بدأت بالاهتمام بالاستثمار في سوريا والشركات التركية تتجهز للدخول إلى السوق السوري، فما هي أسباب تأجيل التمويل والاستثمار من قبل الدول العربية والأوروبية؟
ورداً على التساؤل السابق قال د. عياش: التمويل المطلوب ضخم جداً، فتعافي قطاع الكهرباء وحده يحتاج 50 مليار دولار.
ويتابع كما أن العقوبات مازالت مفروضة، وتم تمديدها سنة أخرى وإجراءاتها معقدة للغاية، وهي تعيق أي تحرك فعلي.
وينوه أيضاً بأن التحالف السياسي لا يعني بالضرورة تحالفاً اقتصادياً بنفس المستوى، ومازال ثلث البلد مهجراً.
ووفقاً للدكتور عياش من شروط التمويل الأساسية مدى القدرة على السداد، وهي معدومة حالياً، وكلما طال أمد التمويل زادت أعباؤه وتراكمت بشكل تضخمي.
ويضيف: البنى التحتية متهالكة وهي شرط أساسي للتمويل والتعافي، ولا يوجد تمويل مجاني أو عمل خيري.
منوهاً بأن محيطنا الإقليمي وحتى الدولي غير متوافق مع بعضه، ولا معنا.. وهذا يعيق أي جهود فعلية للمساعدة.
قوى داعمة وموجِّهة..
وقال الدكتور عياش: إن الدور الأكبر والأهم يقع على عاتق رجال الأعمال وقطاع الأعمال الوطني، وكل الخوف من ثلة من الانتهازيين والوصوليين إذا أصبحوا مؤثرين على القرار الاقتصادي.
وأضاف: على قطاع الأعمال الوطني والخبراء والمختصين تشكيل قوى داعمة وموجهة للقرار في خدمة التعافي الاقتصادي ومصلحة البلد.
ورأى أن الانكشاف الاقتصادي المفاجئ خطير للغاية، والمطالبة بإلغاء الضرائب والرسوم وفتح الاستيراد الكامل يؤثر سلباً على الإنتاج والعمالة والبطالة والتصدير والإيرادات وسلاسل القيمة المضافة الاجتماعية.
نُظُم الصرف الممكنة
وتحدث عضو لجنة التصدير بغرفة تجارة وصناعة طرطوس، عاصم أحمد عن الأثر النفسي للقرارات الاقتصادية، مبيناً أن النتائج تكون أحياناً نفسية أكثر منها واقعية.
ولفت إلى أول معالجة اقتصادية صحيحة للحكومة الحالية بإلغاء بعض القرارات الاقتصادية الجائرة والسيئة.
وأضاف: الحكومة الحالية لا تملك العصا السحرية، ولا مصباح علاء الدين، والمطلوب والمأمول منها أكثر بكثير من إمكانات الواقع الاقتصادي الصعب.
وقال: لا شك أن هنالك تحديات وتركة ثقيلة على السوريين، سواء البنية التحتية المتهالكة وكذلك خدمات الكهرباء والانترنت والمشتقات النفطية، وكذلك إعادة الإعمار والديون، ولكن الأهم من ذلك هو السعي إلى توافق (سوري – سوري) ومن ثم دولي وإقليمي يدعم الاستقرار ويرفع جميع العقوبات عن سوريا وكذلك إعادة آبار النفط لسيطرة الحكومة.
وتحدث عن خبرات السوريين قائلاً: السوريون ساعدوا كل دول العالم بخبراتهم ومهاراتهم وتركوا بصماتهم في كل مكان، ويجب تشجيع عودتهم والاستفادة منهم في مرحلة البناء والنهوض بسوريا.
مفهوم الحوكمة وضرورتها
أخيراً تحدث الخبير الإداري والاقتصادي د. عبد المعين حسان مفتاح عن مفهوم الحوكمة وضروراتها، ورأى أن الحوكمة ضرورية لأنها تضع القواعد التي تضمن عدم استغلال السلطة أو التلاعب بالمصالح، وهي أشبه بخارطة طريق تحدد كيف تُتخذ القرارات وكيف يتم محاسبة المسؤولين عنها، مبيناً أن مكوناتها الشفافية والمساءلة والمساواة والاستدامة.
لماذا نهتم بالحوكمة؟
لأنها تحمي المؤسسات من الفساد وتُعزز الثقة بين الأطراف المختلفة، وتضمن أن تُدار الأمور بما يخدم الجميع، وليس فقط أصحاب القرار. هي ليست مجرد قواعد، بل رؤية تضع الإنسان والمصلحة العامة في قلب كل قرار.