حمص – سهيلة إسماعيل:
ربما لن نجد الكلمات المناسبة لنصف مسيرة عرّاب المسرح، ليس في حمص فقط، وإنما في سوريا والوطن العربي، الكاتب والمخرج والناقد المسرحي ابن مدينة حمص فرحان بلبل لإعطائه حقه وسيكون أمامنا متسع من الوقت للحديث عنه في القادم من الأيام بعد أن ترجّل عن خشبة المسرح.
ومن أتيحت له زيارة بلبل في منزله سيتعرف على تجربته المسرحية الموسوعية عند رؤية صالون الاستقبال وقد تحول إلى متحف مسرحي “إذا صح القول”, إذ يصاب المرء بالغبطة, حيث تحولت بروشورات الأعمال المسرحية التي ألفها بلبل أو التي أدتها فرقة المسرح العمالي التي أسسها عام 1969م إلى لوحات فنية مؤطرة، جميلة، تزين جدراناً كانت في وقت ما شاهدة على ولادتها، فأضفت على المكان رونقاً خاصاً ومتفرداً, ولن يُذكر المسرح في حمص دون ذكر اسم فرحان بلبل، ولا عجب في ذلك، ففي جعبة بلبل 15 كتاباً في النقد المسرحي, وعشرات المسرحيات إخراجاً وتأليفاً.
لقد أتيح لي زيارته منذ أكثر من عام، والنص التالي تلخيص لأهم ما جاء في ذلك اللقاء.
مسيرة عمر
اعتبر فرحان بلبل المسرح بالنسبة له مسيرة عمر، وقد ألف كتاباً حمل عنوان: “المسرح وحكاية العمر” قضى حياته في العمل المسرحي سواء كتابة أم إخراجاً أم نقداً حتى العام 2011 وبداية الثورة، حيث توقف كما توقف الكثيرون، ولم يعد إلى المسرح بعد ذلك، فالفرقة المسرحية شتتها الدهر وتوفي عدد لا بأس به من أعضائها، وكان يعتبر أن النص المسرحي الجيد هو النص الذي يقوم على حكاية ذات طرفين في الصراع، والمسرحية الخالية من الصراع تخرج من ميدان المسرح.
كان يؤكد على ضرورة الصراع، وقد هاجمه الكثير من النقاد لأنه أصرَّ على أنّ الصراع هو عمود المسرح وعماده وهو الذي يستحق عليه الكاتب أن يسمى كاتباً مسرحياً، فالمسرح قصة أو حكاية؛ وسهل على الأديب أن يأتي بحكاية، لكنْ من الصعب جداً أن يجعلها تقوم على طرفين متناقضين، ولو رجعنا إلى كبريات المسرح العربي والعالمي لوجدنا أن ما بقي منها حياً قابلاً للوقوف على خشبة المسرح هو المسرحيات التي قامت على صراع قوي وحاد.
أزمة النّص
كان يرى الناقد والمسرحي بلبل أن أزمة النص المسرحي ليست حصراً علينا، لأن كتّاب النص المسرحي قليلون ليس في بلدنا بل في العالم كله، وذلك لأن كتابة النص المسرحي من أصعب أنواع الكتابة، إذ يتوجب على الكاتب أن يجسد حياة كاملةً في نص لا يستغرق عرضه أكثر من ساعة أو ساعة ونصف، وربما لهذا السبب نجد في بلد ما مئات الشعراء وعشرات الروائيين وقلة من الكتاب المسرحيين، لكن لماذا نقول إن أزمة المسرح هي أزمة نص!، إذا قلنا هناك وفرة في النصوص المسرحية فإن وضعها على خشبة المسرح هو المشكلة، أي نقل المسرحية المكتوبة على الورق إلى الخشبة هو المشكلة، واعتبر بلبل أن الأصل في المسرح أن يُشاهد لا أن يُقرأ مع تأكيده أن قراءة النص المسرحي قد تكون أمتع من مشاهدته، فالمخرج يضع تصوره للنص، في حين أن القارئ قد يخلق لنفسه تصوراً آخر، وعلى كل حال إن قراءة المسرح أو مشاهدته أمران لذيذان ولكل منهما تشويقه.
تأثره بالتراث الأدبي
قبل أن يبدأ بلبل الكتابة للمسرح كان مُلماً بالتراث الأدبي, واعتمدت ثقافته العامة على عنصرين أساسين، أولهما التراث العربي، وثانيهما الثقافة الغربية، وبالتالي كان لا بدَّ أن يقوم مسرحه على الأمرين معاً، لأنه تمكن من التراث جاءت مسرحياته من وحي ذلك التراث كما قال النقاد، واعتبر أن المسرحيين العرب يبقون تلاميذ الغرب شاؤوا أم أبوا ذلك رغم وجود محاولات دائمة لإثبات عراقة المسرح في بلادنا لكنها تبوء بالفشل.
فالمسرح العربي وليد للمسرح الغربي، حتى أبو خليل القباني كتب مسرحاً بعد أن شاهد فرقة مسرحية جاءت إلى مدينة العازارية, وشاهد الكثير من المسرحيات، وهذا الأمر لا يضير المسرح العربي، أي أن المسرح العربي منقول عن الغرب لأن الحضارة البشرية ملك لجميع البشر، والشعب الذكي هو الذي يأخذ من حضارات الآخرين، وإذا عدنا إلى التاريخ العربي القديم حين وصل إلى الذروة نجد أنه كان يستوعب حضارات عصره جميعها.
كلام لا بد منه
بقي أن نقول: إنه برحيل الكاتب المسرحي فرحان بلبل الآن خسرت حمص قامة من قاماتها الثقافية التي تركت إرثاً قيماً للأجيال القادمة.
#صحيفة_الثورة