الثورة – هفاف ميهوب:
من يتابع حركة التأليف المسرحي العربي، يعرف أن الأديب والمسرحي المصري توفيق الحكيم، كان أوّل من اعتمد الأسطورة في أعماله المسرحية.. فعل ذلك في “أهل الكهف”، ومن ثمّ، “شهرزاد” و”الملك أوديب” و”بجماليون”، وغير ذلك من الأعمال التي اتّسمت بالمضامين الأسطورية.
إنه ما لفتَ وأعجبَ غالبية الكتّاب المسرحيين، ولاسيما الأوائل وتحديداً السوريين، فقد اعترف خليل الهنداوي بتأثير “الحكيم” عليه، وأشاد بدوره في مقالٍ قال فيه:
جاء توفيق الحكيم برائعته “أهل الكهف” فأُخذتُ بها وتساءلت: لماذا لا أبحثُ عن أسطورةٍ مثلها؟.. وقعتُ فجأة على أسطورةِ “هاروت وماروت”، فأخذتها ودرستها، والنتيجة أنني كتبتُ مسرحية، تحمل عنوان “هاروت وماروت”.
إنها أوّل مسرحيّة أسطوريّة سوريّة، وقد تلتها “سيزيف”، و”زهرة البركان”، و”سارق النار”، وغيرها من المسرحيات التي اعتمد الهنداوي في أغلبها على الأساطير اليونانية، اعتمد على هذه الأساطير، لشعوره بعجزِ الأساطير الشرقية والعربية عن معالجة مشكلات الإنسان، وتخليصه من واقعه، وهو ما يدلّ عليه قوله:
فقدان المسرح في التراث العربي، جعلني أبتعد عن المسرحية الواقعية، وألجأ إلى الذهنية، وكثيراً ما عدت إلى الأساطير العربية واليونانية، أستمد مغزاها الإنساني، وأعيد كتابتها، لا باعتبار أبطالها من الأساطير، بل باعتبارهم إنسانيين، وإن كانوا من أنصاف الآلهة..
رغم أن الهنداوي كان رائد الاقتباس، عن الأسطورة التي كان يعيد صياغتها بطريقةٍ تخدم مسرحه، ورغم أن كُثرا اقتدوا بهذا النوع من التأليف الذي استمرّ بعده.. رغم ذلك، كان سعد الله ونوس هو من أعاد للأسطورة حياتها، فقد عاش فيها، وكان ارتباطه بها خاصاً، وهو أمرٌ يُدركه كلّ من تابع مسرحياته وأشهرها: “ميدوزا تحدّق في الحياة”، و”جوقة التماثيل”، و”مغامرة رأس المملوك جابر”، و”الملك هو الملك” و”الفيل يا ملك الزمان” و”طقوس الإشارات والتحولات” وغيرهم.
هذه المسرحيات وغيرها، اعتمدت لدى ونوس على الأساطير والأحداثِ التاريخية والتراث، حيث تقدّم موضوعاً لحدثٍ ماضٍ، تمتدُّ جذوره إلى الحاضر، وهو حدثٌ تقصّد عرضه على جمهورٍ، أراده يحاور ويناقشُ وينتفض، كطرفٍ أساسيّ في العرضِ. جمهورٌ يقرأ الرسالة، ويعمل على تنفيذِ مضمونها.
أخيراً نقول، قول ونوس الذي كان هدفه الأساسي من مسرحه، البحث عن الحقيقة والحرية في عالمٍ، يعيش الإنسان فيه خراباً داخلياً وخارجياً:
إلهامُ المسرح الحقيقيّ، ليس الحكاية بحدِّ ذاتها, وإنما المعالجة الجديدة التي تتيحُ للمتفرّج، تأمّل شرطهُ التاريخيّ والوجوديّ..
#صحيفة_الثورة