الثورة – رنا بدري سلوم:
قد ينطفئ بارود الحرب، وترجع العصافير إلى أعشاشها المحروقة، وتعيد البناء والغناء، لكن ثمّة شيء لا يمكن أن يتغيّر هو تجذّر أصالتنا وهويّتنا العربية المرتبطة بثقافة التراث المادي واللامادي، وهنا يكمن أهمية إيضاح هذا الإرث وإن تعددت الأسباب في ضحله وتغييبه.
كتاب “التراث أصالة ومقاومة وبقاء” للدكتورة نجلاء الخضراء الذي أعدّته وأنجزته خلال عامين، اعتمدت على مصادر ومراجع لتقدم لنا معلومة موثّقة بالأدلة والبراهين، ومن خلال لقائنا معها حدّثتنا عن أهمية الكتاب والرجوع إلى مصادرٍ مهمّة بدءاً من القرآن الكريم والكتب المقدّسة وصولاً إلى مراجع تعنى بالتراث بكل أنواعها والأجنبية منها، وعادت الخضراء- والقول لها- إلى دراسات أكاديميّة للجامعات العربيّة وعدّة مواقع للشابكة الإلكترونية والمجلّات العربيّة التراثيّة.
وفي مقدّمة الكتاب الذي قدّمه كل من الدكتور عبد المنعم جبور، والدكتور عبد الله الشاهر الذي بدأ بتعريف الكتابة بأنها فعل مقاوم حين تستمدُ حبرها من الأرض، تصير الكلمات خناجر مغروزة في صدور الأعداء، حينها يكون لزاماً عليّنا أن نقف إجلالاً وإكباراً للكلمة القاتلة الصامتة، والكتابة آنذاك حالة وعي لذاكرة نشطة أرساها شعب على تراب وطن، عندها يتحوّل التراب إلى ذاكرة حيّة ويصير الوطن امتداداً لأجسادهم وتبعاً لأفكارهم وحدائق أزهارهم.
الذين يدافعون عن تراثهم هم من يدافعون عن وجودهم يدافعون عن فعل حضاري هم أوجدوه.
الدكتورة نجلاء الخضراء في كتابها “التراث أصالة ومقاومة وبقاء” لم تكتب تاريخاً، بل كتبت حضوراً وأضاءت هوية أرادوا طمسها، لم تكتب ادعاءً ولا تزويراً ولا تشويهاً وإنما كتبت حضوراً وتواجداً لشعبٍ عاش فأنتج وأعطى فأثرى وقاوم فصمد فكان أن حقّقَ أصالة الوجود.
وقد وثّقت الخضراء الوجود الحضاري للشعب الفلسطيني على أرضه من خلال ما قدّمت فيه من حقائق تراثيّة ماديّة ولا مادية، عبر سبعة فصول بيّنت فيها: التراث الشّعبي الفلسطيني، وخصائص هذا التّراث، الذي يبرز الهويّة الفلسطينيّة التي لا لبس عليها على الرغم من ادعاءات الكيان الصهيوني وتشويهاتها للتراث الفلسطيني وسرقته له.
لكن الحقيقة التي صدمت الكيان الصهيوني أن التراث الفلسطيني وقف عقبة أساسية في وجه التطبيع الثقافي من الاعتداءات الصهيونية على التعليم والثقافة واللغة وتغيير الأسماء العربية فكان هذا التراث سدّ منيع في وجه الكيان.
يكشف الكتاب حقائق تراثيّة خاصة بالشعب الفلسطيني وهذا إثبات أصالة وعمق حضاري، وهو بنفس الوقت يدحض الادعاءات الصهيونية التي لا تمتلك شيئاً، وهو ما يعطي الكتاب أهميّته، أما السبب الثاني أن الكتاب مهم يؤصل هويّة الشّعب الفلسطيني، فالتراث إرث الأجيال المتعاقبة وهويّتها لأنه نتاج شعب على أرضه، فكانت تجاربه وأحاسيسه وفلكلوره واقتصاده عبر تاريخ ضارب في القدم، وعليه فإن الكتاب يظهر معالم تراثيّة فلسطينيّة ثابتة وما زالت معاشة وفي الذاكرة الشعبيّة الفلسطينيّة ومن الصعب تزويرها أو تحريفها أو تبديلها.
تحدّث الكتاب الذي يقع في مئتين صفحة مقسمة لسبعة فصول، تصفحنا طيّاته فإذا هو يتناول التراث الشعبي الفلسطيني وأنواعه وتصنيفاته مع أمثلة، و”أعلام فلسطينيون” اهتموا بدراسة التراث ومنهم” توفيق كنعان، عارف العارف، شريف كناعنة، محمد بكر البوجي”.
وعرض الكتاب التراث الشعبي والهويّة الوطنيّة والاعتداءات الإسرائيلية على التراث الشعبي الفلسطيني والدور الفلسطيني في الحفاظ على تراثهم وواجبنا تجاه التراث.
وعما يميّز الكتاب عن غيره- وبحسب الخضراء- هو حديثه عن عدة عناصر تراثيّة فلسطينيّة قديمة تعود لعصور ما قبل التاريخ، عمل العدو الصهيوني جاهداً على سرقتها ونسبها لنفسه حتى يوجد له تاريخ مزيّف على أرض فلسطين، موضحاً الكتاب تاريخ تلك العناصر التراثيّة وفترات استخدامها ووضع إثباتات على أصحاب العناصر التراثيّة وبالتالي هم أصحاب الحق في الأرض، مضيئاً على نقاط أوضح فيها السّرقة الإسرائيليّة لتلك العناصر وأسبابها وأساليبها، فالتراث عند الخضراء يحمل أصالة أصحابه ويشير إلى تجذّرهم في الأرض.
#صحيفة_الثورة