الثورة – عمار النعمة:
لا شك أن الشعر والشعراء متلازمان متناغمان، يسكن أحدهما الآخر، ويسعيان لبعضهما البعض, فالشاعر يولد والشعر يجتاح عقله وقلبه, فيردده ويحفظه ويزرع بذوره الأدبية في داخله.
عبر التاريخ أنجبت سوريا ثلة من الشعراء الذين حفروا اسمهم داخل سوريا وخارجها، فكان لتلك الأسماء وقعها ووزنها، وقد صدحت حناجر الشعراء المعاصرين بأشعارهم.
اليوم يكتب الدكتور نزار بريك هنيدي كتابه الجديد (ظواهر وتجارب في الشعر العربي الحديث) الذي صدر عن وزارة الثقافة– الهيئة العامة السورية للكتاب بـ 255 صفحة من القطع الكبير وهو الشاعر الجادّ والملتزم, المؤمن أن الشعر رسالة سامية, فكانت أشعاره التي كتبها بلغة صافية عذبة قريبة للروح والصفاء, لتسكن في الأعماق كحالة وجدانية وإنسانية عميقة.
تأتي المقالات التي يضمها الكتاب والتي حاول فيها الكاتب مقاربة عدد من التجارب المتميزة, والظواهر المهمة في الشعر العربي الحديث، وبدأ الحديث عن تجربة غنية لطبيب شاعر انتهت حياته نهاية مأساوية غامضة, وأنه بالرغم من دوره الريادي في التأسيس لحركة الحداثة الشعرية العربية فإن أعماله وإنجازاته الشعرية لم تلق ما تستحقه من الدراسة والاهتمام وهو الشاعر الدكتور علي الناصر, ويضيف أن من الشعراء السوريين الذي أصبح بمفرده ظاهرة متميزة في المشهد الثقافي هو الشاعر شوقي بغدادي الذي لا ترجع أهميته لمنجزه الإبداعي وحده, بل لمجموعة الخصال التي كان يمتلكها ولمجموعة الأدوار والمهام التي قام بها.
ولا يمكن لأحد أن يتجاهل الظاهرة الفذة التي شكلها الشاعر بدوي الجبل كممثل للعبقرية الشعرية الكلاسيكية الجامحة بفكرها وصورها وبنائها, لينتقل للحديث عن تجربة الشاعر المرحوم زاهد المالح الذي تتلخص تجربته في محاولته لخلق (لغة مرئية) تختلف في بيئتها ومفهومها ودورها عن الصورة الشعرية أو لغة المجاز التي اعتدنا عليها في اللغة الشعرية.
كما عرج الدكتور هنيدي على القصيدة القصيرة عند الشاعر نزار قباني الذي أكد من خلالها أن قباني كتب أفكاره حول بنية القصيدة القصيرة وجمالياتها في مقدمتين نظريتين الأولى ترجع إلى عام 1970 حين صَدّرَ بها ديوانه (كتاب الحب) والثانية كتبها عام 1981 وجعلها مقدمة لديوانه (قاموس العاشقين).
يقول هنيدي في مقدمته: ربما كان الشعر أول نشاط إبداعي اجترحه الإنسان وما زال يمارسه حتى اليوم, حتى أصبح خصيصة رئيسة من خصائص الوجود البشري, فلم يعرف التاريخ حضارة أو مدينة أو قبيلة أو جماعة لم يكن الشعر حاضراً في أساس بنيتها الثقافية وفي مقدمة فنونها الإبداعية.
بما أن السمات والعوامل والخصائص التي تحدد شعرية النص, ستبقى عصية على التحديد, وستبقى قابلة لأن يعتريها الكثير من التحولات الحادة أو الانفجارات المفاجئة, فإن أفضل ما يمكن لنا أن نفعله هو أن نعمد إلى النصوص الشعرية نفسها, فنعمل أولاً على قراءتها قراءة تذوقيه واعية, ثم ندرس مكوناتها وخصائصها وتقنياتها الفنية وآليات تأثيرها فينا, وأن ننظر في الظواهر الشعرية التي تشكل علامات فارقة في المشهد الشعري, وأن نسبر أغوار التجارب الشعرية التي يحاول أصحابها شق طرق خاصة واقتراح أفكار جديدة، ولا ريب في أن ذلك سيزيد من متعة تواصلنا مع النصوص الشعرية ويعمق تفاعلنا معها, ويكشف أمامنا الكثير من أسرار وغوامض هذه اللعبة الساحرة.
#صحيفة_الثورة