الثورة – هفاف ميهوب:
لأن البطل في كلّ الملاحم، يحتاج إلى ندٍّ أسطوريّ شبيهٌ له في البطولة، كان ندُّ “جلجامش” هو “أنكيدو”.. البطل الذي انتقل بعد أن تربّى مع ضواري الحيوانات، من حياته البدائية، إلى دروب التمدّن التي قادته، إلى “أوروك” التي يحكمها خصمه، الخارق في هذه الملحمة العظيمة..
هكذا بدأ الصراع بين الخصمين.. بين “أنكيدو” البدائي”، وبطل الملحمة التي امتدّت شهرتها إلى كلّ أنحاء العالم.. “جلجامش” الذي هزمَ خصمه، وتفوّق عليه مراراً، إلى أن أصبحا صديقين حميمينِ، جسّدت علاقتهما التناقض ما بين إنسان ما قبل التاريخ، والإنسان الخارق الحضاري..
إنه موضوع الملحمة التي تحكي، عن الصداقة والبطولة، وعظمة الروح الإنسانية في قدرتها على الاتحاد، وصولاً إلى إشراكِ كلّ الآلهة، مع الشعب الذي عليه أن يعمل، على ترسيخ قيمه، بعد التخلّص من شرورِ عالمه.
“كلُّ ما هو شريرٌ نزيحهُ من العالم..
يا صديقي.. من يسقط في أرضِ المعركة هو الخالد..”..
هذا عن ملحمة، لم يكن “جلجامشها” مجرّد بطلٍ لحكايةٍ شعبيةٍ متوارثة، فقد كان أيضاً, كائناً جاذباً وخارقاً وعارفاً، حتى بأخبار الأسفار والأسرار.. رغم ذلك، ورغم أنه قهر الممالك وشيّد الحصون ودعّم أسوارها، إلا أن إدراكهُ بأن الفناء لا بدّ آتٍ، هو من قهرهُ ودفعه, للبحثِ عن سبيلٍ لحياةٍ لا نهاية لها.
نعم، هذا ما قهر “جلجامش”، وما جعل هذه الملحمة أكثر من مجرّد قصّة تاريخية، فقد بحثت في جوهرِ الإنسان، وعمّا يشغله منذ الأزل. الموت، الحياة، الخلود، الأثر.. بحثت عن ذلك بعمقٍ، وعبر تساؤلاتها الفلسفية:
“أيها السائرُ في طريقِ البحث، ألم تفكّر أن الخلود لا يُطلب في امتدادِ الجسد، بل في عمقِ الأثر؟..
ألم تفكّر بأن الحكمة لا تنبع من القوّة، بل من الخضوعِ لسننِ الكونِ الذي خلقه الله بقدرٍ محكم؟..”..
#صحيفة_الثورة