في أخطر سنوات عدوان النظام البائد على شعبنا.. هكذا زادت رسوم تراخيص البناء بنسبة 900%
الثورة – تحقيق هلال عون:
منذ أن ظهرتْ النقابات في أوروبا بالقرن الثامن عشر، وهي تدافع عن حقوق منتسبيها، إلا عندنا في سوريا، فقد عاشت معظم النقابات والاتحادات على فُتَات طاولة سلطة البعث، بعد أن انخرطتْ بالفساد الذي تجذّر، ثم أفرع وظهرتْ ثمارُه الحرام، ورائحته الخبيثة، دون أي خجل أو حياء.. بل إن تلك الثمرات برائحتها الخبيثة تسيّدتْ المجتمع بعد أن سَرقت ثرواته.
من صور الفساد
تحقيق “الثورة” اليوم هو عن صورة من صور الفساد والانتهازية التي قامت بها نقابة المهندسين بين الأعوام 2013 و 2016.
ومن أجل الموضوعية يمكنني القول براحة ضمير: إنّ ما قامت به تلك النقابة يمكن اعتباره نموذجاً لطيفاً جداً عن صور الفساد بكل النقابات والاتحادات والمؤسسات في ظل حكم البعث (الاشتراكي)، وربما تكون نقابة المهندسين من أفضل النقابات في بلدنا، لأنها عملت لمنتسبيها- وإن كان على حساب الغير- أكثر مما عمل بعض النقابات الأخرى، والتي عاثت فساداً ونهباً.
نفاق مسؤولي البعث
من يعرف طبيعة مسؤولي البعث في سوريا لا يستغرب شيئاً عن الفساد، و(تجدون في نهاية هذا الموضوع بعض الذكريات ذات الصلة بنفاق المسؤولين).
مع نقابة المهندسين
بالعودة إلى نقابة المهندسين، وما قامت به بين الأعوام 2013 و2016 سأختصره كما يلي:
استغلّت تلك النقابة بالتعاون مع وزارة الإسكان حالة الحرب التي شنّها نظام الأسد على شعبه الرافض وجوده في رأس السلطة، وقامت برفع رسوم تراخيص البناء بنسبة 900% خلال أربع سنوات!!.
قد لا يصدّق الكثيرون هذا الكلام، لذلك سأذكر تلك القرارات ونسبة كل منها.
سيدفعها الفقير
ولكن قبل ذكر تلك القرارات ونسب الزيادة لا بدّ من القول: إن تلك الزيادات على رخص البناء سيدفعها المواطن الفقير الذي يبحث عن مسكن، بناءً أو شراءً، فشركات المقاولات لن تدفع ليرة واحدة.
وكمثال على ذلك: لنفترض أن شركة مقاولات رخّصت لبناء برج سكني أو أكثر فإنها ستحسب كلفة البناء وستحدد هامش الربح الخاص بها.
وهذا يعني أن رسوم الترخيص التي ستدفعها شركة المقاولات ستدخل في كلفة أو ثمن الشقة التي سيدفعها المواطن الفقير الذي شرّدته الحرب أو دمّرت منزله، وسيدفعها الشاب الذي يريد الزواج وتكوين أسرة.. الخ.
كيف كانت؟
في العام 2013 كانت رسوم رخص البناء الخاصة بنقابة المهندسين هي 200 ليرة سورية عن كل متر مربع طابقي، أي أن المواطن الذي يريد بناء بيت، مساحته 200 متر مربع يدفع رسوم ترخيص حوالى (40) ألف ليرة، وتضاف إليها رسوم المحافظة أو البلدية، وتبلغ حوالى نصف قيمة رخصة النقابة.. أي تبلغ كلفة الرخصة كاملة لبيت، مساحته 200 متر (60) ألف ليرة.
كيف أصبحت؟
أما بعد الزيادة، فإذا ضربناها بتسعة أضعاف، فإن كلفتها ستكون حوالى (540) ليرة للمساحة نفسها.. أي لبناء (200) متر مربع!!.
القرار الأول
في العام نفسه.. أي في (2013) صدر القرار رقم (64) وتضمن زيادة الرسوم فأصبحت تسعيرة ترخيص المتر المربع الواحد (325) ليرة بدلا من (200) ليرة.
القرار الثاني
وفي عام 2014 صدر عن نقابة المهندسين القرار رقم (13) القاضي بزيادة رسوم رخص البناء بنسبة (35%) فأصبحت التعرفة (440) ليرة للمتر المربع الطابقي الواحد.
القرار الثالث
ثم صدر القرار (22) لعام (2015) وقضى بزيادة الرسوم بنسبة (35%) فأصبحت التعرفة (600) ليرة.
القرار الرابع
ثم صدرت زيادة أخرى بالقرار رقم (42) لعام (2016) بزيادة نسبتها (35%) فأصبحت التعرفة (800) ليرة للمتر الواحد.
صدرت تلك القرارات بالتعاون بين النقابة ووزارة الإسكان التي كان على رأسها حينذاك المهندس حسين عرنوس، وبحسب القانون لا تصبح قرارات نقابة المهندسين، المذكورة سابقا نافذةً إلا بعد توقيع وزير الإسكان.
أنا البعثي.. أكتب الآن
أكتب الآن، وقد كنت منتسباً لحزب البعث منذ كنت في الصف الأول الثانوي، حيث جاءنا إلى المدرسة شخص (عضو قيادة فرقة حزبية) وقال: من لا ينتسب لحزب البعث لن يستفيد من تعليمه، ولن يُقبل في أي وظيفة، وكذلك لا يستطيع أن يصبح، حتى مدير مدرسة إلا إذا كان بعثياً!
المهم انتسب جميع طلاب صفّنا آنذاك.. (هكذا تتم صناعة الازدواجية في شخصية المواطن الفقير بشكل خاص، لأنه يعتبر الدولة أمّه وأباه).
كم كنا نشعر بالاشمئزاز حين كان يزورنا في المعسكرات الجامعية أمين فرع حزب أو عضو قيادة قطرية، وينزل من سيارة المرسيدس الشبح، وخلفه وأمامه أسطول من السيارات الألمانية “المفيّمة” المُرافقة له ويخطب فينا، وهو على منبر تحت الظل، بينما نحن نقف تحت شمس آب الحارقة!.
يحدّثنا لساعات عن أن حزب البعث هو حزب العمال والفلاحين وصغار الكسبة، والمضحك المبكي أنّ علينا أن نصفّق بقوة كلما ذُكر اسم الحزب، أو اسم الرئيس أو اسم مسؤول كبير!.. ( لم أكن أصفق رغم خوفي من تقرير أمني).
كنا صغاراً في السن نسبياً، أيام الجامعة، ومع ذلك كنا- في معظمنا- نعلم أن شعارات العروبة والقومية والنضال والتحرر والتحرير والحرية والاشتراكية التي يطلقها المسؤولون هي من ضرورات البقاء في السلطة، أي هي من عدّة الشغل، مثل (مِسبحة أو عمامة “شيخ” نصّاب).. نعم كانوا يستغبون الشعب بوقاحة كبيرة، ودون أي حياء.
#صحيفة_الثورة