الثورة – تحقيق -ناديا سعود:
في ظل الحاجة المتزايدة لاعتماد الزراعة العضوية في سوريا، بدأت المهتمة بالشأن الزراعي محاسن إبراهيم تجربة فريدة من نوعها من حديقة منزلها، ونجحت في إنتاج سماد الدود (الفيرمي كومبوست) باستخدام ديدان الأرض من نوع إيسينيافيتيدا (ريد ويجلروتايغر)، وهو أحد الأساليب العالمية المعتمدة في تحويل المخلفات العضوية إلى سماد غني بالمغذيات.. في إطار ذلك تابعت صحيفة الثورة هذه التجربة مع المتخصصين والمهتمين في الشأن الزراعي.
من تجربة شخصية إلى انتشار واسع
تقول محاسن: انطلقت بالتجربة بإدخال كميات محدودة من ديدان الأرض المستوردة، وتمت تغذيتها على مخلفات طبيعية مثل أوراق الأشجار، بقايا الخضار والفواكه، وروث الحيوانات العاشبة، وبعد نجاح التجربة الأولى في إنتاج السماد، لاحظت تحسناً كبيراً في نمو النباتات، سرعة التجذير، ومقاومة الأمراض، مما دفعني للعمل على تكاثر الديدان وزيادة الإنتاج، حتى وصلت إلى إنتاج عشرات الأطنان سنوياً.
لم تتوقف التجربة عند هذا الحد- تؤكد محاسن- بل تحولت إلى حركة زراعية ناشئة، حيث ساهمت في تدريب المزارعين والمهتمين على إنشاء مزارع لتربية الديدان، وقدمت لهم كل المعلومات والخبرات التي اكتسبتها وساعدت المئات من الأفراد الأسر التي طلبت تنفيذ المشروع في كل المحافظات، وكان لمبادرة المشاريع الأسرية دور كبير في انتشار التجربة، وخصصنا مجموعة على تطبيق الواتساب متفرعة عن مجموعة المشاريع الأسرية التي أسسها الخبير التنموي أكرم العفيف، وهذه المجموعة كانت خاصة (بالفيرمي كومبوست) تم جمع بها كل المهتمين لنشر وتبادل الخبرات في هذا المجال.
نجاح واسع رغم التحديات
بفضل جهودها، توسع المشروع ليشمل المئات من الأسر الريفية في مختلف المحافظات السورية، وأصبح الكثير منهم يعتمد على هذا السماد الطبيعي في زراعاتهم، ومن أبرز الأسماء التي تبنت التجربة، المهندسة غزل اسطنبولي، فحولت دراستها إلى تطبيق ثم إلى مشروع ناجح، ففي رحلة بحثها عن حلول زراعية مستدامة، خاضت المهندسة غزل اسطنبولي، خريجة كلية الهندسة الزراعية في جامعة حمص، تجربة فريدة مع سماد (الفيرمي كومبوست)، الذي لم يكن يتلقى شرحاً كافياً خلال دراستها الجامعية.
تقول غزل: على الرغم من مروري على مفهوم (الفيرمي كومبوست) أثناء دراستي، إلا أن الشرح لم يكن وافياً، ما دفعني للبحث والتعمق في هذا المجال بشكل مستقل. بدأت رحلة الاستكشاف من خلال البحث المستمر حتى شاهدت محاسن إبراهيم تتحدث عن المشروع عبر التلفاز، مما حفّزني على الانضمام إلى مجموعة المشاريع الأسرية، وتعلمت كل التفاصيل المتعلقة بتربية ديدان الأرض وإنتاج السماد العضوي.
مشروع خاص
تبين غزل، أنها من خلال المجموعة، حصلت على جميع المعلومات النظرية والعملية، مما مكّنها من تحويل معرفتها إلى واقع ملموس بإنشاء مزرعتها الخاصة لإنتاج (الفيرمي كومبوستو) لم يقتصر الأمر على التعلم فقط، بل أصبحت غزل اليوم تدرب وتساعد العديد من المهتمين في هذا المجال، ناشرةً الخبرة التي اكتسبتها بين المزارعين والمهتمين بالزراعة العضوية.
تجربة غزل تعكس أهمية التعلم التطبيقي في المجال الزراعي، حيث تمكنت من تحويل مفهوم علمي بسيط إلى مشروع منتج، يسهم في نشر ثقافة الزراعة العضوية ويعزز الاستدامة البيئية، مما يمهّد الطريق لمستقبل زراعي أكثر نظافة وأماناً في سوريا.
تحويل المخلفات إلى ذهب زراعي
بينما في مدينة طفس بمحافظة درعا، خاض المزارع سامر محمد الحسن تجربة غيرت مفهومه عن الزراعة والتسميد، بدأ الأمر بمتابعته لموضوع سماد الدود (الفيرمي كومبوست) على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه في البداية لم يقتنع بجدواه إلا أن قراره بتجربة 50 كيلوغراماً من (الفيرمي كومبوست) على 16 شجرة رمان كان نقطة تحول في مسيرته الزراعية.
يشير سامر في حديثه إلى النتائج غير المتوقعة التي حصل عليها، فعند مقارنة الأشجار المسمدة (بالفيرمي كومبوست) مع الأشجار المسمدة بالأسمدة المعدنية، لاحظت فرقاً كبيراً في النمو والجودة، هذه النتيجة دفعتني إلى التواصل مع محاسن إبراهيم، الرائدة في مجال تربية ديدان الأرض، وأحضرت 15 كيلوغراماً من الديدان، وبدأت بإعداد أحواض خاصة بها، بمتابعة وإرشادات محاسن المستمرة تضاعف إنتاجي من الديدان ليصل إلى 100 كيلوغرام، وأصبحت اعتمد بشكل كامل على (الفيرمي كومبوست) في تسميد مزرعتي.
يضيف سامر: لم يقتصر استخدامي على السماد الصلب فحسب، بل توسعت ليشمل إنتاج السماد السائل من (الفيرمي كومبوست)، ما ساهم في تحسين جودة المحاصيل بشكل ملحوظ، موضحاً أنه لم يعد يتخلص من المخلفات النباتية كما كان يفعل سابقاً، بل أصبح يعيد تدويرها لتتحول إلى غذاء للدود، الذي بدوره ينتج سماداً غنياً بالعناصر المغذية ، ففي الموسم الحالي، جربت (الفيرمي كومبوست) على زراعة البازلاء، وكانت النتائج أفضل بأضعاف من الأسمدة المعدنية”، مؤكداً على أن (الفيرمي كومبوست) لم يقتصر فقط على تحسين الإنتاجية، بل ساهم في خفض تكاليف التسميد بشكل كبير فقبل استخدام (الفيرمي كومبوست)، كنت أنفق آلاف الدولارات على استشارات المهندسين الزراعيين وشراء الأسمدة الكيميائية، لكن في الموسم الماضي لم تتجاوز تكاليف الزراعية 780 دولاراً فقط، وهو ما يعكس التأثير الاقتصادي الإيجابي لهذا السماد، وأصبحت اليوم امتلك حوالى 5 أطنان من (الفيرمي كومبوست) الجاهزة للاستخدام في مزرعتي، مؤكدا أن هذه التجربة لم تكن لتنجح لولا الدعم والتوجيهات التي قدمتها له محاسن ، والتي كانت تتابعه خطوة بخطوة عبر الهاتف لمساعدته في تجاوز أي صعوبات.
تجربة أخرى ناجحة
معاذ زعبي- مزارع من مدينة طفس، يروي تجربته مع مشروع السماد الذي سمع عنه من قبل، وأثار اهتمامه بعد الاطلاع على نتائجه الإيجابية ويقول: بينما كنت أتصفح موقع فيسبوك، صادفت صفحة السيدة محاسن، التي كانت الداعم الأكبر لي في هذه التجربة، تواصلت معها، وقدمت لي كل التفاصيل الأساسية حول المشروع، ولم تكتفِ بذلك، بل كانت تتابع معي خطوة بخطوة خلال مراحل التطبيق.
ويضيف: “ما شجعني أكثر هو رؤية نتائج السماد على أرض الواقع، حيث لاحظت فعاليته الكبيرة على الأشجار، ما دفعني لاتخاذ قرار استخدامه في مزرعتي فكانت تجربة مهمة تعكس أهمية تبادل الخبرات الزراعية والاستفادة من المنتجات الحديثة التي تساهم في تحسين جودة المحاصيل وزيادة الإنتاج.
بين النجاح والتحديات
هذه التجارب.. قصص نجاح، أثبتت أن الزراعة العضوية يمكن أن تكون بديلاً فعالاً ومستداماً، ليس فقط من الناحية البيئية، ولكن أيضاً من الناحية الاقتصادية.
رغم النجاح المتزايد الذي تحققه مبادرة محاسن إبراهيم في مجال الزراعة النظيفة، لا تزال تواجه العديد من التحديات التي تعيق توسعها، وعلى رأسها نقص المعدات الأساسية مثل الغربال والفرّامة، بالإضافة إلى الحاجة الملحة للحصول على التراخيص الرسمية لتوسيع نطاق الإنتاج.
ويؤكد المزارعون والمهتمون بالبيئة أهمية دعم هذه المبادرة، لما لها من أثر إيجابي في تعزيز الاستدامة الزراعية، إذ تسهم في إعادة تدوير النفايات العضوية وتحويلها إلى سماد طبيعي، ما يساعد في إنتاج محاصيل خالية من المواد الكيميائية الضارة.
ومع تزايد الوعي بأهمية الحلول البيئية المستدامة، يبقى الأمل معقوداً على تدخل الجهات الحكومية والمنظمات الداعمة لتوفير الدعم اللازم لهذه المشاريع، مما يضمن استمراريتها ويساهم في تحسين الواقع الزراعي في سوريا، ويسهم في تعزيز الأمن الغذائي وإنتاج محاصيل صحية خالية من الكيماويات.