الثورة – عمار النعمة:
تشهد الساحة السورية افتقاراً للنشر والتوزيع، صحيح أنه في سوريا أكثر من 300 دار نشر نصفها يعمل وينتج، ولكن نتاجها يصدّر إلى المعارض الخارجية، ولهذا أسبابه الموضوعية من غلاء وارتفاع التكاليف، كطباعة وورق، وعدم إقبال القارئ السوري على الشراء لضعف القوة الشرائية.
أما المؤسستان الحكوميتان اللتان تنشران فهما الهيئة العامة السورية للكتاب واتحاد الكتاب العرب بدمشق، ولديهما منشورات مهمة وأسعار مناسبة مقبولة ومع ذلك تبقى مرتفعة.
في استطلاع اليوم نتوجه إلى المتابعين والكتّاب بسؤال، هل اقتنيت كتاباً خلال العام الماضي؟ وكيف تدبرت ثمنه؟ والسؤال الثاني: هل ترى ضرورة اتخاذ الحكومة خطوة لدعم الكتاب بالشكل الذي تراه مناسباً وبرأيك ما هو؟
الحكومة قادرة على اتخاذ خطوات واسعة
الأديب د.عبد الله الشاهر قال: في الحقيقة هذا الاستطلاع يثير تساؤلات كثيرة ويطرح إشكاليات ربما نحن غير قادرين على حلها أو مقاربتها لارتباطها بعوامل اقتصادية واجتماعية ومادية بحتة، وجميعها تنعكس على المواطن وعلاقته بالكتاب، وفي الواقع إنه في سوريا أكثر من 300 دار نشر، هذه الدور أوشكت على أن تغلق أبوابها، ناهيك عن أن نصفها بالأساس لا يعمل، وأنا اعتقد أن الدور الذي تعمل لا تتجاوز ربع العدد، والأسباب كثيرة وموضوعية ومبررة، بدءاً من الطباعة والورق وانتهاء بالقارئ، والمشكلة هنا لا تكمن بدور النشر لأن هذه الدور منشآت يُفترض أن تكون ربحية، ولكن هذا لم يتحقق في سوريا، فاتجهت بعض الدور إلى المعارض الخارجية مستفيدة في ذلك من فرق العملة لتغطية النفقات، وفي النتيجة وضمن هذا السياق فإن القارئ السوري خرج من دائرة دور النشر وذلك بسبب ارتفاع سعر الكتاب.
أما الهيئة العامة السورية للكتاب، واتحاد الكتاب العرب في سوريا، فهاتان المؤسستان قامتا بدور إيجابي في نشر ما يمكن نشره عند القارئ، والحقيقة أن اتحاد الكتاب العرب بذل جهداً إضافياً بعد الطباعة، وهو أنه أقام معارض في المحافظات والجامعات، وعرض كتابه بأسعار تكاد تقترب من المجانية، وفق خطة لإيصال الثقافة إلى الجميع، إضافة إلى أن الاتحاد وضع مكتبات مصغرة في عدد من المقاهي والكافيات، وذلك من أجل التفكير بالحالة الثقافية في حدها الأدنى، وهي خطوة ايجابية في عالم الثقافة.
وأرى أن تقوم وزارة الثقافة بخطوة أساسية بأن تمنح أي كتاب يصدر 50% من تكاليفه لإمكانية خفض سعر الكتاب، وفتح المجال للكتّاب الذين لا يستطيعون الطباعة بسبب غلاء التكاليف، وهذا الإجراء متبع في عدد كبير من الدول في العراق والأردن وايطاليا وألمانيا..الخ.
أما الإجابة عن السؤال: هل اقتنيت كتاباً خلال العام الماضي؟ فالحقيقة تؤكد أن الجواب لا، ولكنه نسبي لاعتبار أن شيوع الثقافة تعني أن يصل الكتاب إلى كل طبقات المجتمع، وهذا لم يحصل، لأن ثمن الكتاب لا يتناسب ودخل المواطن. وأضاف: الحكومة قادرة على اتخاذ خطوات واسعة لدعم الكتاب من خلال المساهمة في دعم الطباعة وإعفاء الورق ومواد الطباعة من رسوم الاستيراد وضرائبها، وتوجيه وزارتي التربية والتعليم العالي بإيجاد نشاط يشترك الجميع فيه، وإعادة النظر في نشاطات وزارة الثقافة التي لم تعد مناسبة لمجريات الحياة الثقافية والأمثلة كثيرة، بالإضافة إلى إحياء النشاط الفني والمسرحي في سوريا ليساهم في الحث على اقتناء الكتاب.
الكتاب السوري بين الناشر والقارئ
بدوره الأديب الأرقم الزعبي قال: يُعدّ الكاتب السوري من رواد الحركة الإبداعية العربية والعالمية، لحضور قامات إبداعية شغلت كل مهتم بالأدب والإبداع، وللواقع نقول: إن الكتاب عندما ينجز من قبل الكاتب يتحول إلى سلعة، وكل سلعة بحاجة إلى تصنيع ما يلزمها من تسويق ودعاية وإنشاء ميول وراغبين لها.. هنا يدخل دَور دور النشر الخاصة التي تختلف في مشاربها وأهدافها، ولكنها تشترك بالبحث عن الربح لكي تستمر، هناك دار نشر لا يهمها أثر الكتاب وتأثيره، بقدر ما يهمها الربح المحقق, وهناك دور نشر لديها رسالة وهي انتقاء الكتاب الأفضل الذي له مردودية فكرية وربحية، وفي كلتا الحالتين يتحكم الناشر بقبول نشر الكتاب من عدمه.
لدينا في سوريا مثلاً أكثر من 300 دار نشر، هذا العدد لا يعبر بالضرورة عن الفعالية والحضور، هناك حوالي 25 إلى 50 دار نشر حاضرة بقوة على حساب تواضع حضور باقي الدور، ولاسيما دور النشر المتخصصة في جنس أدبي محدد، مثل الاهتمام بكتب الأطفال الأكثر رواجاً وربحاً والكتب المترجمة ولاسيما في مجال البحوث والدراسات والرواية. وفي ظل ارتفاع ثمن الورق خاصة وتكاليف الطباعة عامة، زادت حصرية الطباعة في بعض دور النشر التي تملك الملاءة المالية فقط، وإلى جانب ذلك هناك عوامل أدت إلى التراجع في قراءة الكتاب الورقي وشرائه، مثل: انتشار الكتاب الإلكتروني الأقل تكلفة، والأكثر انتشاراً العابر للحدود والرقابة، ولعل أحد محددات عدم انتشار الكتاب السوري وجود رقابة على محتوى المنشورات وغياب الرأي
الآخر، وتراجع القراءة والحالة الاقتصادية، وغياب صيغة فعالة تضمن حقوق الكاتب، وتراجع فعالية معرض الكتاب لمحدودية دور النشر المشاركة، بالمقابل حققت بعض دور النشر السورية حضوراً خارجياً جيداً في معارض الكتاب ولاسيما دور النشر المعنية بأدب الأطفال. قراءتي خلال عام 2024م كانت ما يزيد على مئة كتاب، أغلبها كتاب إلكتروني أو إهداءات وكتب توزع مجاناً، ونادراً ما أشتري كتاباً.. مضيفاً: إعادة الألق للكتاب تتطلب تشجيع القراءة بدءاً من تنشيط المكتبة في البيوت والمكتبة المدرسية، وجعل حالة ود وقرابة بين المكتبات العامة.
كذلك هناك دور للحكومة بدعم الكتاب من خلال:
ـ إصدار قانون محكم لحماية حقوق المؤلف
ـ فرض رسوم إيداع للكتب التي تودع في المكتبات الوطنية يعود ريعها لدعم الكتاب
ـ فرض رسوم على طباعة الكتب التراثية ولو رمزية لدعم صناعة الكتاب
– احتضان معارض الكتاب وتقديم التسهيلات لدور النشر العربية والأجنبية المشاركة
ـ عقد ندوات في المدارس ووسائل الإعلام للتشجيع على تبادل الكتب والصحف ما يؤمن دوراناً أكثر لها بين القراءـ إلغاء الرقابة لعدم وجود فائدة تذكر منها لأن الكتاب بات عابراً للحدود من خلال الشابكة.
الكِتاب الورقيّ.. واقع وطموح!
أما الشاعر حبيب الإبراهيم فتحدث: إن الكِتاب يُعدّ أحد أهم مصادر المعرفة التي يستمد منها الإنسان ثقافته، ومن خلاله يُتاح للمرء الاطلاع على تاريخ وثقافات الشعوب والأمم الأخرى، لذلك قيل فيه الكثير عن أهميته ودوره التنويري والتثقيفي، وخاصة في مراحل ما قبل الثورة الرقمية، وتفجر المعرفة وظهور وسائل التواصل الاجتماعي، فهو المعلّم بلا معلّم، وهو المركب بلا شواطئ وأشرعة… فكان (خير جليس) وخير أنيس. وبالرغم من هذه الأهمية لكن من الصعوبة بمكان إصدار أو طباعة الكتاب على اختلاف مسمياته، وقد واجه الأدباء من كتّاب وشعراء و… ظروفاً صعبة في إصدار إبداعاتهم بسبب ارتفاع تكاليف الطباعة (حبر، ورق..) من جهة، والإجراءات الروتينية المعقدة من جهة ثانية. ثمّة عناوين جميلة وجذابة تستحق القراءة، لكن ثمنها الباهظ يدفع بمحبي القراءة للجوء إلى إصدارات وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب، حيث تتميز إصداراتهما بالرصانة والموضوعية والتنوع والغنى، ومحاكاة قضايا وطنية واجتماعية وأدبية معاصرة، إلى جانب أسعارهما المناسبة والتي تناسب ذوي الدخل المحدود. لذلك كان ملاذنا الوحيد في العام الماضي والأعوام السابقة معارض الكتب الثابتة والموسمية، حيث نجد حسومات مجزية تتراوح بين ٤٠ – ٥٠%. القارئ بشكل عام يعيش في دوامة، فهو لا يقرأ كما يجب؟! لأنّ لديه اهتمامات أكثر أهميّة تتعلق بمعيشته ورغيف خبزه، لذلك نراه يعتكف عن القراءة وشراء الكتب، وحتى نصل إلى قارئ محبّ ومتابع ويعشق الكتاب يتوجب على الجهات المعنية التي ترعى الشأن الثقافي توفير الكِتاب بيسر وسهولة، ونشره على نطاق واسع من خلال معارض الكتب الثابتة والموسمية أو في المناسبات. ثمّة خطوات قامت بها وزارة الثقافة واتحاد الكتّاب العرب من أجل زيادة انتشار الكتاب ووصوله إلى أوسع شرائح المجتمع وخاصة طلبة المدارس والجامعات والمهتمين بالشأن الثقافي في كافة المحافظات، مثل شهر الكتاب السوري في جميع المراكز الثقافية ونوافذ بيع كتب الهيئة العامة السورية للكتاب والمعارض الدائمة في جامعتي دمشق و اللاذقية.
ومن الخطوات المهمة في هذا السياق التنسيق مع وزارة التربية والتعليم العالي لإقامة مثل تلك المعارض في تجمعات المدارس الكبيرة وتخصيص إصدارات تتناسب مع الناشئة وقضاياهم، والبيع بأسعار شبه مجانية لتشجيع الطلاب على القراءة واقتناء الكتب.
ولتجاوز عثرات وصعوبات النشر والطباعة يتوجب دعم الكتّاب والأدباء مادياً كي يتمكنوا من نشر نتاجهم بيسر وسهولة وتبني منجزهم الإبداعي طباعة وتسويقاً ومنحهم مكافآت تليق بالكتّاب والكِتاب على حد سواء.
اليوم ومع ارتفاع أسعار الورق ومستلزمات الطباعة عالمياً، لا بد من تضافر جميع الجهود سواء أكانت دور نشر عامة أم خاصة لنشر الكتاب الذي كان وسيبقى أحد أهم وسائل نشر المعرفة والمعلومة وبناء الشخصية، وبالرغم من أنّ الكتاب الورقي تراجع تعداده، لكن لم يتراجع دوره وأهميته في عملية نشر الثقافة والمعرفة لأنه يوثق مادياً للكتابة والإبداع، وبالتالي الكِتاب الورقي هو الذاكرة الحيّة لأي أمة تعمل على بناء حضارتها، ورفع مكانتها وتأصيل دورها، فالفضاء الأزرق ذاكرة هشّة وهميّة يمكن وبلحظة واحدة أن تتلاشى وتذهب أدراج الرّياح.