الثورة – مها دياب:
يعد الاكتئاب حالة صحية نفسية شائعة بكثرة هذه الأيام، تؤثر على مزاج الإنسان، وتفكيره وسلوكياته، ويؤدي إلى حالة شديدة من فقدان الأمل والشغف بالحياة، وغالباً ما يكون مصحوباً بأعراض سلبية كثيرة، تؤدي للتفكير بالانتحار في بعض الحالات.
يقول الدكتور نضال الكيلاني وهو اختصاصي علم نفس: إن مرض الاكتئاب يعد اضطراباً خطيراً، وآثاره السلبية تنعكس على الشخص وعائلته، وقد يتفاقم بشدة في حالة إهمال علاجه، ولكنه مع ذلك قابل للعلاج، شرط إدراك المصاب الحاجة للمساعدة، الأمر الذي يعتبر خطوة أولى وأساسية للتعافي.
تعريف الاكتئاب
عرفه الدكتور نضال بأنه اضطراب نفسي يتميز بشعور مستمر بالحزن وفقدان الاهتمام أو الاستمتاع بالحياة، ويؤثر على التفكير، والمزاج، والسلوك، وقد يؤدي إلى مشكلات جسدية وعاطفية عديدة، كما يعاني الأشخاص المصابون به من صعوبة في القيام بالأنشطة اليومية العادية، وأحياناً يصل للشعور بفقدان الشغف بالحياة وأنها ليست جديرة بالعيش.
الجوانب الخمسة
وبيّن الاختصاصي النفسي المشكلات الحياتية التي تواجه الشخص المكتئب وقسمها لخمسة جوانب:أولها، القدرات العقلية والمعرفية، حيث يؤثر بطريقة التفكير، والتفاصيل اليومية، وتضخيم الأحداث، والعصبية المفرطة، وعدم التركيز والنسيان.
ثانياً: اضطرابات النوم التي تؤدي إلى صعوبة في النوم، والهروب من الواقع عبر النوم المفرط، وهنا أكد على دور الأهل المهم في ملاحظة هذه الحالة والتعامل معها بهدوء ومحبة.
ثالثاً: اضطرابات الشهية، مثل: الإفراط بالأكل، وزيادة وزن، أو تراجع الشهية، وتراجع الوزن.
رابعاً: الحالة الانفعالية، والتي تتجسد بسرعة الانفعال، والغضب غير المبرر، الانطواء على الذات، العزلة الاجتماعية.
خامساً: فقدان الثقة بالنفس، وتتمثل بالتردد الشديد، مع عدم القدرة على اتخاذ أي قرار، واللوم الدائم للذات، وهنا يؤكد أن هذه الأعراض إذا استمرت فوق الثلاثة أشهر تعتبر حالة مرضية بحاجة للعلاج، لافتاً إلى أن وجود ثلاثة من هذه الأعراض معاً أو أكثر، يعتبر مؤشراً على الإصابة بالاكتئاب، إلا أن من يشخص الحالة هو الطبيب أو الاختصاصي النفسي حصراً، مشدداً على عدم أخذ أي أدوية من دون استشارة.
أمر مخجل
يقول الدكتور كيلاني: إن كثيراً من الحالات تفاقمت وتحولت لأمراض أخرى مزمنة بسبب تأخر العلاج، لأنه إلى الآن يعتبر الذهاب إلى طبيب أو اختصاصي نفسي، أمراً مخجلاً، وغير ضروري اللجوء إليه حتى لو تفاقمت الحالة النفسية للمريض، كما أن هناك حالات كثيرة جاءت للعلاج بعد تفاقم المشكلة لدرجة محاولة الانتحار، أو الانعزال التام، والسبب يكون الخوف من نظرة المجتمع للمريض النفسي على أنه مجنون. كمثال على ذلك، يقول: إحدى الحالات التي عرضت عليه، أم لديها ثلاث بنات، وحسب التشخيص إحداهن لديها انفصام، والأخرى ثنائي القطب، ومع ذلك ذهبت إلى مشعوذين باعتبار أنه سحر لبناتها، ومن ثم ذهبت لمقرئين لربما يكون حسداً، واستمر الأمر إلى أن تطورت الحالة لدرجة الانتحار، موضحاً سبب عدم الطلب للمساعدة، هو الخوف من أن يعلم الأقرباء والجيران، وبالتالي ستصبح فرصة الابنة الثالثة معدومة بالزواج.
إهمال العلاج
وينوه الدكتور الكيلاني بأن إهمال العلاج يؤدي إلى تحول كبير في حالة المريض وقد يؤدي إلى مشكلات سلوكية حادة، قد تصل إلى العنف والعدوانية، أيضاً تعاطي مواد مخدرة، بسبب اليأس وفقدان الأمل، إيذاء الذات، كمحاولة جرح الجسم بأماكن غير مرئية للأهل، وهذا يشعر المريض بالراحة، حدوث آلام جسدية ذات منشأ نفسي، كاضطرابات المعدة، آلام رأس، وهنا يكون الضغط في مرحلة عالية جداً ربما تصل لأزمة قلبية أو دماغية، وقد يصل للانتحار، وتمني الموت، ومحاولات انتحار متعددة، من بين الحالات التي عرضت عليه مريضة بعمر 24، لديها 9 حالات انتحار فاشلة، وطلب المساعدة منها كان لإيجاد طريقة للموت.
العلاج
وبين الدكتور الكيلاني أنه يمكن علاجه بطرق متعددة، يبدأ مع طلب المساعدة والحل يكون بحسب شدة الاكتئاب من خلال:
العلاج النفسي: العلاج السلوكي المعرفي الذي يركز على تغيير الأفكار والسلوكيات السلبية إلى إيجابية، من خلال الحديث، والتعبير عن مشاعره ومشكلاته، وبالتالي الفهم العميق للمشكلة ومن ثم حلها.
الأدوية: أحياناً يحتاج المريض إلى مضادات الاكتئاب التي تساعد في تحسين كيمياء الدماغ لديه، مثل مثبطات امتصاص السيروتونين، لكنها تحتاج إلى وصفة طبية ومتابعة دقيقة من الطبيب.
التغييرات في نمط الحياة: ممارسة الرياضة، كالمشي اليومي مدة 30 دقيقة، والغذاء الصحي، كإدخال العسل والجوز واللوز، والحليب، والبيض للوجبات اليومية، والبعد عن الأشياء المصنعة، واعتماد مذكرة نكتب فيها نقاط القوة والقدرات والمميزات لدينا، ذلك يعطي نظرة إيجابية وثقة بالذات، وتنظيم الوقت.
الحصول على دعم الأصدقاء والعائلة، ومن الممكن الانضمام إلى مجموعات دعم، حيث الأفراد فيها تقوم بمشاركة تجاربهم مع المرض وكيفية التعامل معه والعلاج.العلاجات البديلة: مثل الاسترخاء، والتأمل والتنفس العميق، والعلاج بالفن أو الموسيقا.
وأخيراً يؤكد الدكتور كيلاني أنه من المهم جداً الحصول على استشارة طبية أو نفسية لتحديد الأسلوب الأنسب لعلاج كلّ حالة، مبيناً أن الاكتئاب مرض كغيره قابل للشفاء ولا يعتبر مرضاً مزمناً، بل مع طلب المساعدة والعلاج وتغييرنمط الحياة والبعد عن المسببات، يؤدي إلى الشفاء بالكامل.