منهك بسياسات حكومية منفعلة وقاصرة.. قطاع الدواجن 60 عاماً من الفوضى

الثورة – تحقيق هلال عون

 

قطاع الدواجن أمن غذائي، وصناعة وتجارة وفرص عمل وقطع أجنبي على نطاق واسع، وليس سبيلاً لتأمين اللحم والبيض في السلة الغذائية فقط، فأنشطة قطاع الدواجن المتعددة وذات الثقل الاقتصادي الكبير، وارتباطاته الأمامية والخلفية، حكمتها قبل الثورة سياسات حكومية ثابتة لا تستند إلى ديناميكية، ولا إلى استراتيجية ذات معالم واضحة للتعامل مع ما عُرف بأزمات قطاع الدواجن، التي كانت تهزّ أركان القطاع بين فينة وثانية.

 

“الثورة” تفتح ملف قطاع الدواجن، لجهة الواقع والمشكلات والحلول المقترحة..

 

مصدر للأمن الغذائي 

 

المهندس الزراعي والمستشار في مجال الدواجن الأستاذ عبد الرحمن قرنفلة، في حديثه لـ”الثورة”، أكد أن الدواجن تتميّز عن الحيوانات الكبيرة بسرعة دورة الإنتاج، وبالتالي سرعة دورة رأس المال، حيث تنضج الدجاجة جنسياً، وتبدأ بوضع البيض في عمر ستة أشهر تقريباً، بينما الأبقار تحتاج إلى أكثر من سنتين ونصف لتبدأ الولادة وإنتاج الحليب. ويتابع: “إن الإحصائيات تؤكّد أنه خلال نصف قرن ارتفعت نسبة مساهمة لحوم الدجاج من 10% إلى 35% من إجمالي استهلاك الفرد من أنواع اللحوم، في حين تراجعت نسبة مساهمة لحوم الأغنام من إجمالي إنتاج اللحوم المحلية من 68% إلى 43% ولحوم الجِمال من 17% إلى 0.22%”.

 

سياسات حكومية محبطة

 

وعن السياسات الحكومية تجاه قطاع الدواجن يرى المهندس قرنفلة أنها، غالباً ما كانت منفعلة وآنية، واتسمت ببطء استجابتها لمتطلبات مواجهة الأزمات، ما عكس غياب الرؤية الواقعية والنظرة بعيدة المدى إلى الأدوار المتعددة الاقتصادية والاجتماعية التي تتمحور حولها أنشطة قطاع الدواجن المختلفة في بنية الاقتصاد الزراعي السوري، حيث شكلت منتجات الدجاج ملاذاً آمناً للفقراء وأصحاب الدخل المحدود، حيث إنها الأقل تكلفة مقارنة بمصادر البروتين الحيواني الباقية.

 

مرّة في الشهر

 

مواطن، طلب عدم ذكر اسمه، قال رداً على سؤالنا عن كمية ونوعية اللحوم التي يستهلكها: “قد أتمكن من شراء كيلوغرام من لحم الفروج، مرة في الشهر، إذا انخفضت الأسعار”، لأن لدينا في المنزل قائمة بمصروفنا الشهري، اللحوم ليست ضمن القائمة، ولا الحلويات ولا المكسّرات ولا حتى الأجبان.

 

تشوهات تكاليف الإنتاج

 

إيفان دالي- مستثمر مدجنة- تحدث عن واقع تربية الفروج، فقال: للأسف نشعر بأننا في صالة قمار، إذ لا يمكنك أن تتوقع أي نتائج سلبية أو إيجابية لعملك، ولا تعلم إن كنت ستخسر أو ستربح ، ولا مقدار الربح أو الخسارة المحتملة. فقد تبدأ بشراء الصوص، ويكون سعر الكلغ القائم للفروج 27 ألفاً، وبعد 45 يوماً (الوقت المحدد للبيع)، قد يهبط السعر القائم للكلغ من الفروج إلى 18 ألفاً، بالإضافة إلى الارتفاع غير المحسوب الذي قد يطرأ على أسعار العلف والأدوية. ويتابع: قبل بضع سنوات كنت على تواصل مع أصحاب حوالي 30 مدجنة، لم يستمر منهم سوى خمسة مربين، بسبب الخسائر التي أدّت إلى الإفلاس، خاصة مع الجائحات المرضية المتكررة التي أدت لنفوق أكثر من نصف الطيور عند البعض. المستثمر في قطاع الدواجن أسامة أبو خالد، قال: يحتاج الفروج خلال فترة نموه 45 يوماً إلى 4 كلغ علف، كان ثمنها قبل سقوط النظام المخلوع 40 ألفاً، يضاف إليها ثمن الصوص الذي وصل إلى 19 ألف ليرة للصوص الواحد، ومع احتساب ثمن الأدوية، والتدفئة شتاء، ونسبة النفوق قد تصل كلفة إنتاج الفروج الواحد إلى حوالي 70 ألفاً، بينما يكون ثمن الكلغ 20 أو 22 ألفاً، ووزنه وسطياً 2200 غرام، وهنا يمكن حساب الخسارة الكبيرة لمدجنة صغيرة فيها 5000 طير، إذ يخسر كل طير حوالي 20000 ليرة، أي إن مجمل الخسارة هو 100 مليون ليرة خلال 45 يوماً.

 

ضبط الأسعار

 

وبحسب المهندس قرنفلة، فقد شهدت مستلزمات إنتاج الفروج منذ أكثر من 10 سنوات تبدلاً واسعاً وسريعاً في قيمها، قاد إلى اضطراب واسع في نسب تشغيل المداجن، تبعه تباين في كميات الإنتاج، وتذبذب في توفر السلعة بالسوق، أعقبه خلل في ضبط أسعار تلك السلع بفعل تأثرها بقوى العرض والطلب، وتارة تعالت أصوات المستهلكين مطالبين بخفض الأسعار، وتارة أصوات المنتجين مطالبين بإنصافهم نتيجة تعرضهم لخسائر مالية فادحة. والمحصلة كانت حزمة من الأخطار تعرض لها قطاع الدواجن ساهمت في اضطراب مستمر لمنحنيات تطور الإنتاج ليمتد إلى كامل مفاصل السلسلة التسويقية. وساهم هذا في عكس مسارات التنمية في مفاصل القطاع، حيث تجاوزت أسعار طن كسبة فول الصويا عتبة الـ 1000 دولار أمريكي، وطن الذرة الصفراء الـ 500 دولار أمريكي، وكان هناك تأثير سلبي لارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملة المحلية.

 

12ضريبة

 

بلغ عدد الضرائب التي كانت مفروضة على مربي الدواجن 12 نوعاً..! الأمر الذي زاد من تدهور القطاع، فقد كان يدفع المربي، بحسب المهندس قرنفلة، ضريبة خدمات ورسوم نظافة لمصلحة البلديات، رغم وقوع المداجن خارج المخططات التنظيمية للمدن والبلدات، ولا تصل إليها خدمات البلديات.

 

كما يدفع ضريبة “المسقفات” ورسوماً سنوية لقاء الإشراف الفني، وضرائب لمصلحة لصاقة الأدوية البيطرية، وأخرى لمصلحة دائرة الرخص الصناعية عن “الجاروشة” التي تخدم المدجنة، بالإضافة إلى رسم لمصلحة “صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية”، ورسوم التأمينات الاجتماعية والكهرباء، ورسوم لمصلحة اتحاد الفلاحين، والرسوم المتعلقة بإنجاز وتصديق المخططات الخاصة بتنفيذ الدواجن، ورسوم الهاتف والمياه وطوابع متعددة، فضلاً عن ضريبة الدخل المقطوع وغيرها.

 

مخاطر تعرض لها القطاع

 

تعددت الأخطار التي تعرض لها قطاع الدواجن، ويختلف حجمها وفقاً لمدى انعكاس تأثيرها على استمرار حلقات الإنتاج بالعمل، كما يلي:

 

أولاً: غياب إستراتيجية وطنية تحدد ملامح القطاع ودوره في بنية الاقتصاد الوطني والأمن الغذائي.

 

ثانياً: غياب تنظيم مهني لمنتجي منتجات الدواجن، والذي يساعدهم على الانتشار العمودي، وتحديث مرافق الإنتاج.

 

ثالثاً: ضبابية سياسة الدعم للقطاع وصادراته.

 

رابعاً: معوقات هيكلية قائمة منذ وقت طويل تشكل عقبة مزمنة في طريق تسريع وتيرة نمو القطاع.

 

خامساً: سياسة الاعتماد على الطاقات الإنتاجية الصغيرة، والتبعثر والانتشار الأفقي، والتي شكلت واحداً من أهم الأخطار التي تهدد القطاع، والتي عكست بنية اقتصادية هشة ومتخلفة غالباً للبنى التحتية للمرافق الإنتاجية للقطاع.

 

سادساً: عدم توافر سياسة واضحة الملامح تجاه الدور الذي يلعبه كل من القطاعات العام والتعاوني والخاص في تأمين مستلزمات الإنتاج وخاصة المستورد منها.

 

سابعاً: غياب سياسة صارمة تعنى بتطبيق إجراءات الأمن الحيوي وتحقيق الإشراف الفني الفعلي على منشآت إنتاج منتجات الدواجن.

 

ثامناً: غياب سياسة متوازنة لتسعير منتجات الدواجن تنصف كلا من المنتج والمستهلك.

 

تاسعاً: خرق سياسة حماية الإنتاج المحلي.

 

المعالجات المقترحة

 

لا بدّ من وضع إستراتيجية وطنية واضحة الملامح تعنى بتنمية دور القطاع في بنية الاقتصاد والأمن الغذائي، وأهمها- بحسب المهندس قرنفلة:

 

أولاً: إن إحداث تنظيم مهني للعاملين بالقطاع مستقل مالياً وإدارياً، ويرتبط فنياً بوزير الزراعة يعتبر ضرورة ملحة.

 

ثانياً: سياسة الدعم الذكي التي تجذب الإبداع والإنتاجية والكفاءة والتقدم التكنولوجي مطلوبة للنهوض بالقطاع.

 

ثالثاً: العمل على تخفيض تكلفة الإنتاج 70 % على الأقل عّما هو عليه، (خفّض تكلفة إنتاج كيلو لحم الفروج 30%) من خلال تخفيض معدّل نسبة النفوق بالقطعان إلى ما يقـل عن 5 %، وتخفيض عامل تحويل العلف إلى ما دون 1.7، وتحسين إنتاجية أمات التسمين إلى ما يزيد على 135 صوصاً لكل أم بدأت بالإنتاج، وإنتاج مواد علفية تقل تكلفتها عن تكلفة استيرادها (تخفض تكلفة الإنتاج 40%).

 

رابعاً: تعزيز سياسة حماية الإنتاج الوطني.

 

ما سبق هو عناوين عريضة، ومطلوب من الجهات المعنية البحث في التفاصيل وتوليد الحلول الأكثر كفاءة إن وجدت.

آخر الأخبار
بيدرسون: على مجلس الأمن الضغط على إسرائيل للانسحاب من سوريا Middle East Eye: احتلال إسرائيل لأراض سورية جديدة يعكس عقلية استعمارية توسعية The Conversation لماذا لا يعود العديد من اللاجئين السوريين إلى ديارهم؟ "التحالف الدولي" يعلن القضاء على أحد قياديي "داعش" في سوريا "لمسة وردية".. تقدير للأمهات في عيدهن مناقشة خطة تدريب سياسة صون الطفل مع منظمة "كيمونكس" إلى جانب العلاقات الثنائية.. فيدان يبحث في واشنطن غداً التطورات في سوريا ورفع العقوبات حرب التصريحات تتصاعد.. العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى أين؟ نقص السيولة وتعطّل الصرافات.. شكاوى على مكتب المصرف العقاري بالقنيطرة The New Arab: قيود عراقية تمنع ضباطاً سوريين سابقين من مغادرة معسكر التاجي "الأوروبي" ومصر: سندعم سوريا خلال المرحلة الراهنة الصفدي: على المجتمع الدولي اتخاذ موقف فاعل لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا من نتائجه نشوء اقتصاد احتكار القلّة.. أسباب فشل التحوُّل إلى اقتصاد السّوق الاجتماعي في سوريا الملك الأردني يجدد دعم بلاده لسيادة ووحدة سوريا إسرائيل تدير ظهرها للقوانين الدولية تحت الحماية الأميركية من داخل مجلس الأمن.. إدانة عربية لاعتداءا... واشنطن تحدد مطالبها من سوريا وتتوقع رفع العقوبات أردوغان: الظلم الواقع على الفلسطينيين سينتهي كما انتهى على السوريين الأمم المتحدة تعلن عودة أكثر من مليون لاجئ إلى سوريا في رسالة إلى الشرع.. بوتين يؤكد استعداد روسيا لتطوير التعاون مع سوريا سوريا وألمانيا نحو علاقات صحيحة ومتوازنة الشرع يستقبل بيربوك.. وبرلين تعيد افتتاح سفارتها بدمشق