ما قالته غالية الطباع… و”اللي كلنا منعرفه” 

مهدي الناصر كاتب وصحفي سوري

الضجة التي أثارتها التصريحات الإعلامية السورية غالية الطباع مؤخراً، لم تكن بسبب أفكار جديدة صادمة، بل لأنها قالت بصوت مرتفع ما يقوله كثيرون بصوت خافت، ما قالته لم يكن غريباً على من يعرف المجتمع السوري جيداً، الفارق الوحيد، أنها كانت أكثر وقاحة وفجاجة في التعبير.

نعم، هناك شريحة كبيرة من أهل دمشق، خاصة من داخل “سور المدينة القديمة”، تنظر إلى من هم خارج السور كمجموعة دخيلة، طارئة، لا تشبه “النسيج الدمشقي”.

هذه ليست صورة فردية، بل عقلية راسخة، وموجودة بنسخ مختلفة في حلب، حمص، حماة، دير الزور، درعا، السويداء، الساحل، بل وحتى في المهجر.

المدينة تنظر إلى الريف بفوقية، الريف ينظر إلى البدو بتحفّظ، والكل يحمل تصنيفات جاهزة للآخر، “ضيعجي”، “شوايا”، “مجئجئ”، “مو نضيف”، “بلا أصل”، “من ورا البقر”، هذه الكلمات تُقال كل يوم، في الجلسات الخاصة، في السهرات، على شكل نكات. والمشكلة؟ أنها لم تعد تُعتبر عنصرية، مجرد “مزاح”، كما يقولون.

النظام المخلوع عزز هذه الانقسامات، واستخدمها بذكاء. غذّاها، ثبّتها، بنى عليها مؤسسات ومناهج، ووظّفها حين احتاج لتفكيك أي شعور بالوحدة الوطنية الحقيقية، وما بعد سقوطه، نحن نرث هذه البنية المهشّمة

لكن ما بعد الثورة، وما بعد سقوط النظام، نرى واقعاً أكثر تعقيداً، السوريون الذين اجتمعوا على رفض الاستبداد، بدؤوا يكتشفون كم هم مختلفون، وكم أن المسافات بين قراهم ومدنهم لم تكن فقط جغرافية، بل نفسية وطبقية وثقافية أيضاً.

صار القادم من محافظة مدمّرة، يُعامل كمصدر قلق، الموظف الذي بقي في الدولة، يُدان بلا محاكمة، من يسكن في دمشق، يخاف من السوريين الذين جاؤوا إليها بعد الثورة، ومن عارض النظام، يشكّ بمن لا يستخدم نفس مفرداته، كل هذا يخلق جواً مشبعاً بالحذر، والاتهام، وانعدام الثقة.

السؤال الجوهري هنا: هل السلطة الحالية، تدرك هذا الشرخ؟ هل ترى أن إعادة بناء سوريا لا تبدأ من الانتخابات أو الدساتير فقط، بل من مشروع وطني يعيد تعريف من نحن كسوريين.

هل تدرك الحكومة السورية الحالية أن التعيينات على أسس الولاء والمكان قد يعيد إنتاج النظام نفسه، بأسماء جديدة فقط

لا يمكن بناء وطن مستقر، ومجتمع لا يزال يعرّف نفسه ضد الآخر: ضد الريفي، ضد ابن المدينة، ضد المذهِب، ضد اللهجة. إن لم نتعلم كيف ننظر لبعضنا بعين الندّية، لا الفوقية، فسنعيش في دولة ناقصة، ومرحلة انتقالية مليئة بالاحتقان والخوف.

ربما تكون أعظم مهام المرحلة القادمة ليست سياسية، بل اجتماعية – أن نعيد اختراع “الثقة” بين أبناء هذا البلد، لأن سوريا لن تنهض فقط بدستور جديد أو برلمان تعددي، سوريا تحتاج إلى مشروع وطني يعيد تعريف السوري بالسوري، مشروع يعترف أن بيننا مسافات، لكنه يرفض أن تبقى هذه المسافات مزروعة بالخوف والازدراء.

ما قالته غالية الطباع ليس النهاية، بل مجرد جرس إنذار، والسؤال: هل سنسمعه؟ أم نضحك عليه كـ”مزحة جديدة”؟

آخر الأخبار
" التلغراف ": الهيئة الدولية المسؤولة عن مراقبة الجوع بالعالم ستعلن للمرة الأولى "المجاعة" في غزة ضبط لحوم فاسدة في حلب وتشديد الرقابة على الأسواق تنظيم سوق السكن في حلب والعمل على تخفيض الإيجارات "المجموعة العربية في الأمم المتحدة": وحدة سوريا ضمانة حقيقية لمنع زعزعة الاستقرار الإقليمي بين الهجوم والدفاع.. إنجازات "الشيباني" تتحدى حملات التشويه الإعلامي منظمة يابانية: مجزرة الغوطتين وصمة لا تزول والمحاسبة حق للضحايا مندوب تركيا في الأمم المتحدة: الاستقرار في سوريا مرهون بالحكومة المركزية والجيش الوطني الموحد بيدرسون يؤكد ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها ورفض الانتهاكات الإسرائيلية الشيباني يبحث مع الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين تعزيز التعاون صحيفة عكاظ :"الإدارة الذاتية" فشلت كنموذج للحكم و تشكل تهديداً لوحدة واستقرار سوريا قرى جوبة برغال بالقرداحة تعاني من أزمة مياه حادة "نقل وتوزيع الكهرباء" تبحث في درعا مشروع "الكهرباء الطارئ" في سوريا في ذكرى مجزرة الكيماوي .. المحامي أحمد عبد الرحمن : المحاسبة ضرورية لتحقيق العدالة تأمين الدعم اللازم في درعا للمهجرين من السويداء عندما تكون الـحوكمة خياراً.. خبير اقتصادي لـ"الثورة": ضرورة لتعزيز التنافسية والاستقرار الاقتصادي "الأشغال العامة": خطة شاملة للإعمار والتنمية في إدلب الثقافة المؤسسية وحب العمل.. رافعة بناء سوريا بعد التحرير كل شيء عشوائي حتى المعاناة.. الأسواق الشعبية في دمشق.. نقص في الخدمات وتحديات يومية تواجه المتسوقين قيمة الليرة  السورية تتحسن و الذهب إلى انخفاض مجزرة الغوطة.. العدالة الغائبة ومسار الإفلات من العقاب مستمر