طرطوس – سمر رقية:
رغم الحروب والأزمات والوضع الاقتصادي، يبقى لقدوم العيد في الريف الطرطوسي طلة بهية تسعد القلوب وتريح النفوس وتنتصر بإيمان، في ريف طرطوس تحديداً في القرى البعيدة والنائية رغم ضيق الحال، ما زالت كل قرية من قراه، لديها عادات وتقاليد راسخة ومتجذرة تعبر عن بساطة وجمال وطيبة سكان تلك القرى، وقدرتهم على نشر المحبة والألفة والتسامح رغم الضيق المادي، صفات متأصلة فيهم فطرياً.
العيد في الريف
صحيفة الثورة زارت عدداً من القرى وتعرفت على بعض عادات أهل الريف الدينية والاجتماعية، وكيف يستقبل مجتمع الريف العيد، وما هي طقوسهم خلال أيامه المباركة.
أول زيارة كانت لقرية مجبر بريف الشيخ بدر، وأكدت السيدة مديحة أم عيسى أنه للعيد طلة بهية، وعاداته تبدأ مع بداية العشر الأواخر من الشهر الفضيل، وتقول: بحسب عادات هذه القرية نقوم بتنظيف وتعزيل البيوت، استعداداً لاستقبال العيد بقلوب رضية تقية نقية، كذلك من ترغب بصنع الحلويات في منزلها أيضاً تقوم بتحضيرها قبل العيد بيوم أو أكثر حسب وقتها، لتتفرغ صاحبة البيت في أول أيام العيد المبارك، لاستقبال الأولاد والأقارب والجيران الذين يتبادلون التهاني بحلول عيد الفطر المبارك، وتتابع أم عيسى حديثها: هذا العام تغيرت عاداتنا والسبب حال الضيق والجمود المسيطر على الأغلبية، والقليل من جيراني وسكان قريتي من بقي قادرا على صنع الحلويات بسبب ما آلت إليه الظروف المعيشية.
والزيارة الثانية كانت لقرية برمانة المشايخ، وأكد خطيب جامع القرية نور الدين الخطيب، أنه بعد انتهاء صلاة العيد والتهاني بين المصلين، يقوم فريق من وجهاء القرية والذين يمثلون أغلب عائلات القرية، بزيارة كل شيخ مسن وكل بيت يعاني المرض وكل منزل سكنه اليتم، ويقدم هذا الفريق التهنئة بحلول العيد المبارك وتقديمهم بعض الهدايا الرمزية التي تزيد من المحبة والألفة والتسامح، هذا تقليد جميل تم توارثه عن الأجداد منذ عشرات السنين، وما زالوا يحرصون على تلك العادات في استقبال العيد.
الأصالة الريفية
والزيارة الثالثة كانت لقرية السعداني في ريف القدموس، وبهذه القرية الوادعة، التقينا العم أبو راشد، والذي أكد لنا أن التهاني والتبريكات بمناسبة قدوم عيد الفطر، لا تقتصر على أول أيام العيد بل تمتد طيلة أيامه المباركة وتشمل أيضاً تقديم بعض الهدايا المقدور عليها لبعض العائلات المستورة في القرية تعبيراً عن أصالة متجذرة، أيضاً تطال التهنئة والمباركة الأرض التي يعمل بها سكان القرية، فنرى العديد من الفلاحين بعد صلاة العيد ومباركة الأهل والجيران والأصدقاء والمعارف نجدهم بعد الظهر يقومون بزيارة لأرضهم وأشجارهم، لأن الفلاح يؤمن بأن الأرض التي ألفها والشجرة التي رباها من حقها عليه تفقدها بهذه الأيام المباركة.
العيد للأطفال
والمحطة الأخيرة كانت بقرى “حمام واصل، بارياحا، زهرة الجبل بيت البستان”، وهنا بهذه القرى الطيبة بسكانها وناسها أكدوا أن العيد وفرحة العيد كانت للأطفال المتمثلة بزيارة الجد والجدة لأخذ العيدية ليشتروا بها ما يحبون من حلويات طيلة أيام العيد، واللعب مع أقرانهم في ساحات القرية، لكن هذه المظاهر البسيطة التي كانت تفرح أطفالنا للأسف هذا العام فقدناها من عدم قدرتنا على شراء ملابس تفرح قلوبهم.
ما أفرح الأطفال هذا العام حسب قولهم، من يسكن المدينة وقدم مع أهله لزيارة الأجداد في الريف، هؤلاء قالوا: إن العيد هو زيارة الضيعة ومعايدة الأقارب واللعب مع رفقات الضيعة، حيث لا مراجيح ولا مدينة ألعاب أو ملاهي، مع ذلك ترى السعادة بادية على وجوههم بمجرد وجودهم في الضيعة.
لمَّة العائلة
ويحكي أحمد شمسين- بائع خضار وفواكه عن العيد ولمة العيد، قائلاً: أجمل ما في هذه الأيام المباركة لمة العائلة كلها من كبيرها وصغيرها بمنزل رب الأسرة أي الجد وتبادل المباركات وعقد جلسات عائلية، والسؤال عن أحوال الأخوة والأخوات، وتفقد المريض ومساعدة المحتاج، هذا هو العيد باختصار، لكن بهذه الفترة كم عائلة قادرة على ممارسة هذه الطقوس والعادات يسأل أحمد ويجاوب بنفس الوقت، إن قلة قليلة جداً قادرة على مواظبة هذه العادات التي تعتبر جزءاً من حياتنا وتراثنا، لأن أغلب الناس في هذا الوقت محتاجة ولو للكلمة الطيبة.
تفقُّد الأيتام
ويكشف ياسر حمادي وهو مدرس لغة عربية، أن العادات الريفية المعتادة بدأت تندثر مهلاً على مهل، بسبب إقبال أبناء المدينة على السكن في الريف لهدوئه ووجود المساحات الخضراء ولتبدل حياة أغلب السوريين بعد الأزمات التي عاشوها، ويضيف: أنا كابن ريف أحرص على زيارة أهلي في الريف بكل عيد، لا بل وأتمنى لو أنني أستطيع زيارة أهالي القرية جميعهم بيتاً بيتاً، لكن أحتفظ بتقليد ورثته عن والدي في أيام العيد وأتفقد الأيتام والفقراء والمساكين، وأقدم لهم هدايا بسيطة بهدف إدخال السرور على قلوبهم.
ولفت ياسر إلى عادة متجذرة عند أبناء الريف وهي مواساة أصحاب الأحزان وخاصة كبار السن ووصف الخطوة بأنها عظيمة لأنها تمثل التآلف والتكافل بين أبناء الريف.
أخيراً..
بعد عدد الزيارات البسيطة والسعيدة ما يمكنني قوله: بكل الأحوال أن العيد في الريف اختلف عن الماضي كثيراً نظراً للأعباء الملقاة على كتف رب الأسرة أمام خيارات اقتصادية تكون شبه معدومة، واقتصرت اللمة على لمة الأهل فقط، واختصرت المعايدات وسائل التواصل الاجتماعي، فقديماً كان كل رب أسرة أو صاحب دخل جيد، يقوم بتوزيع الخبز على جيرانه ومن يملك مزرعة تنتج أشجار مثمرة أو أرض تنتج خضار وغيرها، كذلك كان يقوم بتوزيع تلك الثمار وما تنتجه الأرض على أهله وجيرانه وكل محتاج في القرية خلال هذه المناسبة الطيبة لإدخال السرور عليهم ولنيل الثواب ورضا الله، فكل ما ذكرناه فقده الريف إلا فيما ندر.. وكل عام وأنتم بخير.