كثيرة هي الثقافات التي بتنا نفتقدها، وذلك نتيجة تضارب المصالح، وسوء تقدير المواقف، وهو مايؤدي لعدم اعترافنا بالجميل الذي يسديه الآخرون لنا، و بالتالي ففدان الخدمات التي نحصل عليها منهم، أو يقدمونها إلينا.
وهذا لا ينطبق على علاقات الفرد بالفرد، بل على علاقة الأخير بالمؤسسة التي ينتمي إليها، وعلى نطاق أوسع بالدولة التي يعيش فيها، ولاسيما إذا كان هذا الفرد يحصل على حقوقه، مقابل تأديته الواجبات المطلوبة منه.
“ثقافة الشكر” أو التقدير والامتنان، إحدى تلك الثقافات التي بدأت تغيب عن مجتمعنا، حيث السواد الأعظم، لايهتم بتلك الثقافة، ويعتبر أن كل مايُقدم له من الآخرين، هو مجرد واجب عليهم، متناسياً عن قصد ونتيجة طباع قاسية وعنجهية أو غرور يتصف به أن الشكر موصول بالواجب، أي بمعنى أن الأب مفروض عليه خدمة أبنائه، وتأمين متطلباتهم، لأن واجب الأبوة يتطلب ذلك وفرض عليه، لكن كلمة الشكر منهم تشجعه على تقديم المزيد لهم ومضاعفة العطاء ، وعكس ذلك يجعله يحجم أولاً بأول، كما أن من المعروف أن من لايشكر العبد لايشكر الله، والله عز وجل قال: لئن شكرتم لأزيدنكم، وهو لا يعني بالنتيجة أن نهتم كثيراً بالتعبير عن مدى شكرنا وعظيم امتناننا لمن يُسدي لنا خدمة أو معروفاً أو يكون سبباً في سعادتنا أو إنقاذ حياتنا وحسب، بل بجب أن نعتبر ممارسة الشكر والثناء ثقافة وعادة متأصلة فينا، تعكس ميلاً راقياً لقيم جميلة كالعطاء والبذل والذوق والإحسان ورد المعروف، والتأكبد بأننا لا نفضل الأخذ فقط، بل نميل للعطاء ونريده.

السابق