بقلم الطفل جعفر مالك محمد:
كنت زينة في قاع البحر، إلى أن وجدت نفسي أتخبط على السطح وقذفتني دمعة البحر إلى خد الشاطئ، قذفتني كرسالة حب بين الأمواج والرمال، فبقيت جالسة على الشاطئ؛ أستمتع بين الحين والآخر بأنسام رطبة جميلة، تحمل معها حبات رمل ترشقها عليَّ، فيكاد يدفنني الرمل لولا أن يد طفل بريئة انتشلتني من النسيان. حملني الطفل إلى منزله، وأخذ يُرِي أهله ما وجده بسرور، فكانوا يتبسمون له، وفجأة قال الأب: “سآخذها إلى صديقي، فهو يصنع عقوداً من الأصداف البحرية”.
شعرت برعب كبير، وما أن حلَّ اليوم التالي حتى كنت بين يدي ذاك الصانع الذي كان يتفحّصني ويثني على جمالي، ثم شكر صديقه ووضعني مع بعض أخواتي ليصنع منا عقداً. شعرت بألم شديد وهو يمرر خيطاً بإبرة تَثقب كل صدفة منا. وبعد أن جمعنا بخيط واحد، وضعنا مع معروضاته أمام زجاج النافذة. كنا نستمع كل يوم إلى أغانٍ كان يضعها حتى أصابنا الملل. جاء يوم اشترتنا فيه فتاة صغيرة، فشعرتُ بسعادة غامرة وتخيلتُ نفسي أنعم بحياة هانئة. ولكنني الآن في درج منسي في خزانة متآكلة مع أخواتي، وقد لفني الغبار بوشاحه، ورغم ذلك فإنني أستنشق عبير ذكرياتي معكم، وأنا الآن في سفينة اليوم أبحث عن جزيرة الأمس، كي أرسو عليها وأتقصى خطاي السابقة. فهل هناك بصيص من نور، أو شعلة أمل، أو يد تمتد إليّ، لا أحد يعلم إلا الله.