الثورة أون لاين: سيرسم المشهد الذي احتضنته قاعة مجلس الأمن أمس، وقد ارتفعت اليد الروسية والصينية بالرفض من جديد، قوساً جديداً يظلل المنعطف المتشكل في العلاقات الدولية، وهي تبدأ رحلة تقارع فيها منتجات الماضي السياسية البائدة، وموبقات الحاضر الدبلوماسية والإعلامية المتهالكة. وسيرسم بالتوازي معه حقيقة مفادها أن حرب الكواليس المنظمة التي مارستها الدبلوماسية الأميركية باءت بالفشل الذريع، وعجزت عن تحريك بيادق الرقعة التي اعتادت اللعب بها منفردة، ليضاف إلى عجز أدواتها وفشل محاولاتهم.بين هذا وذاك كانت تسمع أصوات الخيبة التي ترددت على ألسن لم تعتد إلا الردح الرخيص والمنفّر، ولم تمارس إلا لغة وضيعة تعكس القاع الخارجة منه، بعد أن شعرت بأن المسألة أبعد من تحريف هنا أو حذف واجتزاء هناك. الموقف الروسي والصيني في مجلس الأمن قدم بلا ريب رسالة واضحة أن المجتمع الدولي باتت لديه أصوات مسموعة خارج منظومة الهيمنة الغربية التي سيطرت عليه لعقود طويلة، وأنه يعيد ترتيب اللاعبين الكبار داخل المشهد الدولي الذي واجه حالة من الالتباس وغابت عنه الألوان إلا ما انطوت عليها الحلبة التي اصطنعتها تلك الهيمنة على مقاسها، ومن ثم فإن الصراع لم يعد محسوماً سلفاً ولا المواجهة منتهية حتماً، وثمة حاجة للانتظار هنا أو الترقب هناك.
فخلال أشهر كان المتغير الذي يرتسم داخل وخارج الحلبة يسجل حضوراً يرتفع خلاله الصوت إلى المستوى الذي يقول فيه لا لأميركا، ولا للمنطق الذي ساد، ولا لهذا الحصار المطبق على مجلس الأمن، بما جرّه ذلك من تغييب لدوره وموقعه ومصادرته بالكامل خدمة للأجندة الأميركية، ورهنه فقط لتنفيذ متطلبات الهيمنة الأميركية حيث تريد.
ولعل الساعات التي سبقت جلسة مجلس الأمن كانت غنية بما يكفي للحكم على مجريات الأمور التي تتحكم بهذا المشهد المتشكل حين بدأت حرب التسريبات، والتي تغافلت عن معطيات وحقائق لا يمكن لعاقل أن يتجاهلها، وفي مقدمتها أن الصراع هنا على منطقة في قلب العالم، ويحتدم حول سورية وما تمثله في الدور والموقع.. في السياسة والدبلوماسية.. في القراءة والأداء.. في تعاملها المتقن مع المراقبين.. وفي تعاونها المحكم والموضوعي معهم.
ربما راهنت أميركا والغرب على تبدلات سريعة، وعلى حملة إعلامية منسقة بالتناغم مع ما يقوم به الإرهابيون على الأرض، ومارست في سبيل ذلك حملة شعواء من التضليل السياسي والدبلوماسي، المدعوم من بعض الأطراف العربية، التي جيّرت كل ما لديها من أجل الظفر بما توهّمت أنه صيدها الثمين على الأرض، بعد أن بثت أكاذيبها وضخّت افتراءاتها على مدى ساعات طويلة.
والمفارقة أن ذلك كله كان مقترناً بحرب داخل الكواليس اعتمدت على ممارسة اقصى درجات الابتزاز، وصولاً إلى تقديم وعود كاذبة وتمرير معلومات خاطئة حول متغيرات، فاقتنصت موقفاً هنا واشترت آخر هناك، وراهنت على الأيادي المرفوعة التي يمكن أن تحدث مفاجأة!! .
لكن، لا التسخين السياسي والإعلامي الذي سبق جلسة مجلس الأمن الدولي نفع، ولا حرب الكواليس والخديعة أجدت، فاعادت القوى الكبرى تموضعها على المسرح العالمي، وجددت ترتيب أولوياتها وفقاً لهذه الحصيلة .
وبالقدر ذاته لم يكن بمقدور الشحن للمجموعات الإرهابية على الأرض أن يعدّل من الخارطة السياسية التي ترفض سياسة الاستقواء على الشعوب، وترفض سياسية الإملاء على الدول، وترفض أيضاً حروب الكواليس والتسريبات التي باتت من زمن بائد لا مكان لها في عالم اليوم.
ما هو مؤكد فوق هذا وذاك أن السوريين الذين ترقبوا تلك الساعات التي مرت وهم يقرؤون المشهد من جديد، سيسجلون ذلك اليوم – ومعهم العالم- أن هناك حروباً تدار ضدهم في السياسة والإعلام والدبلوماسية .. في الكواليس وفي الأروقة والممرات الجانبية.. أمام الشاشات وعلى المنابر.. حروباً تاجرت بالدم واستباحته وقامرت بالسياسة والإعلام والأخلاق والمبادئ.
لكن هذه الحروب كما عجزت في الماضي عن تحقيق غاياته هي اليوم أكثر عجزاً وإفلاساً، وذلك الهيجان المنفلت من عقاله يوشي بما في داخل من يقود تلك الحرب وفي عقول من دبرها.. في وضاعة أدواتها والحضيض الذي أنتجها، وربما القاع الذي ينتظر المؤتمرين بأجندتها والخانعين لتورمات وأوهام الساقطين في شركها.
الثورة: علي قاسم