الثورة – مها دياب:
تحتضن سوريا الحضارة هذه الأيام احتفالات أبنائها المسيحيين بـ”الأسبوع المقدس”، الذي اعتبر أقدس فترة في العام الكنسي، ويعيش المؤمنون عبر طقوسه الخالدة ذكرى المحطات الأخيرة في حياة السيد المسيح، بدءاً من دخوله المظفر إلى أورشليم، مروراً برحلة آلامه وصلبه.
فهذه الأيام ليست مجرد مناسبات تاريخية، بل هي رحلة روحية تهدف إلى تعميق الإيمان، وتذكير المؤمنين بقيم التضحية، والمحبة، والتواضع.
أيام الأسبوع المقدس وطقوسها
إن الأسبوع المقدس مليء بالأحداث والطقوس، على التوالي.
أحد الشعانين، ويرمز إلى استقبال السيد المسيح كملك روحي، ويعبر عن الفرح والتواضع والسلام، وتوزع فيه أغصان النخيل أو الزيتون في الكنائس، وتقام مواكب احتفالية في الشوارع.
خميس العهد، العشاء الأخير ووصية الخدمة، ففي الليلة التي سبقت صلبه، جمع المسيح تلاميذه في العشاء الأخير، حيث أسس سر “الإفخارستيا”.. التناول من الخبز والنبيذ كجسده ودمه، من ثم غسل أقدامهم كرمز للتواضع والخدمة، ويؤكد هذا اليوم على قيمة المحبة والتضحية، حيث يقول الإنجيل: “وصية جديدة أنا أعطيكم: أن تحبوا بعضكم بعضاً”.. وتُقام فيه قداسات خاصة تعيد تمثيل العشاء الأخير.
الجمعة العظيمة، في هذا اليوم الصلب والفداء، وتحمل المسيح الآلام ليفدي البشرية من الخطيئة، ويرمز للتضحية العظمى ويعتبره المسيحيون أعظم تعبير عن المحبة الإلهية، وتُقام فيه صلوات درجات الصليب، وتمتنع الكنائس عن إقامة القداس، وتغطى الصلبان بالسواد.
سبت النور، الانتظار والرجاء ويمثل انتظار القيامة، ويجسد الأمل في الحياة الجديدة والانتصار على الموت، وتُقام صلاة “قداس النور في الكنيسة الأرثوذكسية، عند منتصف الليل، حيث تضاء شموع من نار مقدسة، وتقرأ نبوءات العهد القديم عن الخلاص.
أحد القيامة “عيد الفصح”، الانتصار على الموت، وفيه قيامة المسيح من بين الأموات في اليوم الثالث، ويرمز إلى الفرح، والتجديد، والأمل، حيث تعتبر القيامة أساس الإيمان المسيحي، وتقام فيه قداسات الفجر احتفالاً بالقيامة، ويتبادل المؤمنون تحية “المسيح قام، حقاً قام”، كما تتحول البيوت إلى ورشات عمل عائلية لتزيين البيض بالألوان التقليدية، ويتم توزيع كعك الفصح على الجيران بغض النظر عن دياناتهم، كرمز للحياة الجديدة.
رسالة محبة
الأسبوع المقدس في سوريا ليس مجرد مناسبة دينية، بل شهادة حية على قدرة الإيمان على تجاوز المحن.. فكما تحوّلت آلام المسيح إلى قيامة، يبقى السوريون أوفياء لرسالة المحبة التي ورثوها عن أجدادهم، ليعلنوا للعالم أن النور قادر على البزوغ حتى من بين الأنقاض، ويؤكد كيف يمكن للإيمان أن يتحول إلى قوة تغيير في أحلك الظروف.